الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                فرع

                                                                                                                قال : إذا قضى في شيء مرتين لرجلين فتنازعا عند غيره ، قال مطرف [ . . . . ] له أولى به إلا أن يكون الجائز له أولى به إلا أن يكون الجائز هو الأول ، وفي قضية الآخر ما يفسخ قضية الأول . فينقض الأول ، فإن لم يجز أو لم يعلم الأول فأعدلهما بينة فإن تكافأتا فأولاهما تاريخا إلا أن يكون في القضاء الثاني ما يفسخ الأول ، فإن أرخت إحداهما دون الأخرى ، فالمؤرخة أولى ؛ لأن فيها زيادة ، فإن أرختا وأشكل الأمر فاستئناف الحكم فيها أفضل إن رآه القاضي إن كانتا مما فيه اختلاف ، وقاله مالك ، وكذلك ينبغي إذا رفعت له على مشكلة مختلطة فسخها واستأنفها ، وقال أصبغ في مسألة مطرف : إذا قضى بقضيتين في شيء واحد ، الآخرة الأولى ، ويعد فسخها ، ولا يعتبر الجائر ، إلا أن تكون الآخرة خطأ فتثبت الأولى ، فإن لم يؤرخا فالجائر أولى فإن فقد الجور فأعدلهما بينة ، فإن استوت البينتان تحالفا ، فإن حلفا أو نكلا ابتدآ الخصومة ، فإن نكل أحدهما فهي للحالف ، وإن كانت القضيتان [ ص: 141 ] من قاضيين مضت الأولى إن كانت صوابا ، مختلفا فيهما وبطلت الثانية ، فإن كانت الآخرة صوابا أو مختلفا فيها ، فسخت الأولى ، فإن كانتا صوابا صارتا كما لو كانتا من قاض واحد .

                                                                                                                فرع

                                                                                                                قال : إذا لم يحز المقضي به حتى مات القاضي أو عزل أو مات المقضي له أو عليه : قال ابن القاسم : نفذ الحكم كان التأخير لعذر أم لا ، إلا في الترك الطويل الذي يخشى فيه أن من عرف ذلك الحق هلك ، أو نسيه لطول الزمان ، ولو كان المقضي به جزءا من قرية مقر ولم يجد من يشهد له بتعين الحد بعد موت القاضي ، كان شريكا لأهل القرية بذلك الجزء مشاعا ، فإن كان لأهل القرية كل واحد جزء معين فأراد مقاسمتهم ، هل يأخذ من كل واحد بقدر حصته ؛ لأنه أقرب لبقاء الحقوق ؟ وقال مطرف ، وعبد الملك : لا يضر طول زمان وعدم الحوز كما لا يضر في الدعوى على الحائز ، بل ذلك كمكتوب على إنسان ، لصاحبه القيام به أي وقت شاء وإن تقادم ؛ لأنه عرف أصل حيازته له ، وإنما ينتفع بالحيازة من لا يعرف أصل حيازته فيدعيه غيره ، إلا أن يطول زمان ذلك جدا نحو خمسين سنة مما لا تبقى الحقوق معه ، أو يحدد فيه المقضي عليه بنيانا أو غرسا أو بيعا أو صدقة أو اصدقا ، والمقضي له يفطن ولا يغير ، فإن مات المقضي عليه ، قال مطرف : لا يسأل الوارث عن شيء ؛ لأنه ليس الذي قضى عليه إلا أن يكون المقضي له غائبا حتى مات المقضي عليه ، وقال عبد الملك : الوارث كلمية حضر المقضي له أم لا إلا أن يطول زمانه بيد الوارث والمقضي له حاضر ، فلما قدم الورثة ادعوه بحق غير الوراثة .

                                                                                                                [ ص: 142 ] فرع

                                                                                                                في الجواهر : إذا ظهر للقاضي بعد الحكم أنه حكم بشهادة عبدين ، أو كافرين ، أو وصبيين ، نقض الحكم لعدم المستند ، ونقضه ابن القاسم في الفاسقين ، ولم ينقضه سحنون وأشهب ؛ لأن الفسق قد يخفى ؛ لأنه أمر اجتهادي ، فإن ظهر أن أحدهما عبد ، أو ذمي ، أو مولى عليه ، رد المال المحكوم به للمحكوم عليه ، إلا أن يحلف مع الشاهد الثاني ، فإن نكل حبس حتى [ . . . ] أو أخذ ماله ، فإن نكل فلا شيء له ، قال سحنون : الحكم هنا ينتقض ، بخلاف الرجوع [ . . . ] يظهر أن أحدهما مسخوط ، وقال ابن القاسم : ينتقض كالعبد والذمي ، فإن كان الحكم في قصاص أو قطع : قال سحنون : إن حلف المقضي له في اليد مع شاهده الباقي ، أو في القتل مع رجل من عشيرته خمسين يمينا قسامة ، تم له الحكم ، وإن نكل عن القصاص في البلد ولم يعلم بأن شاهده عبد - لأن الظاهر حريته - يحلف المقضي منه في البلد : أن ما شهد عليه به باطل ، وإذا نكل المقضي له بالقتل عن القسامة ، والنكول في مثل هذا ترد به الشهادة ، وينقض به الحكم : قال بعض أصحابنا : ولا ضمان على الحاكم ، وهو لم يخطئ ؛ لأنه فعل اجتهاده ، ولا ضمان على المحكوم عليه بالقصاص ؛ لأنه لم يأخذ ثمنا فيرد ، وغرم ذلك على الشاهدين إن جهلا رد شهادتهما ، وقال بعضهم : ذلك على عاقلة الإمام ، وقيل : هدر مطلقا ، وإنما على عاقلة الإمام ما جاوز الثلث من الخطأ ، كقتل من لا يجب القتل عليه ، أو بخبر شهادة العبد أو الذمي أو المولى عليه ، وهو يرى جواز ذلك ، أو يقطع السارق من غير جواز أو ثمر أو كثر ، أو أملان يطهر له فيما لم يعلمه بعد الجهل ، [ ص: 143 ] وكذلك لو رجم ثم ظهر أحد الشهود عبدا أو ذميا ، بطل الحكم ، ويجلدون للقذف ، وقيل : الغرم على الحاكم وإن لم يعلم الشهود بحال الذين شهدوا معهم ، وإن علموا ذلك غرموا وقيل : لا شيء عليهم إلا على الحاكم ، جهلوا من معهم أو عرفوا وجهلوا أن شهادتهم تمنع ، فإن علموا بهم وعلموا ردهم ضمنوا الدية .

                                                                                                                فرع

                                                                                                                قال اللخمي : قال ابن القاسم : إذا قال الحاكم بعد الرجم والقطع والضرب : حكمت بجور : قال مالك : ما نفذه من جور يقاد منه ؛ لأنه كالمكره لمن أمره وإن لم يباشر ذلك بنفسه ويقتص من المأمور أيضا إذا علم أنه حكم بجور ، أو كان معروفا بذلك ولم يكشف عن صحة حكمه ، قال أصبغ : إن حكم بمال غرمه كإقرار الشاهد بعد الحكم ، ويعاقب ويعزل ، ولا يولى أبدا ، ولا تقبل شهادته أبدا وإن تاب كشاهد الزور ، قال : وأرى إن كان الحاكم معدما : لا شيء للمحكوم عليه على المحكوم له ؛ لأنه لا يصدق الحاكم أنه حكم بالجور ، إلا أن يكون معروفا بذلك . فإن أقر بعد الحكم وقبل القصاص ، أو أخذ المال ، قال عبد الملك : ينقض الحكم ، قال : ويجري فيه الخلاف في رجوع الشاهد فقال ابن القاسم : إذا رجعت البينة ، لا يقتص ولا يقطع لا في السرقة ولا في قصاص وقال محمد : تجلد البكر ولا ترجم الثيب وإن قضى بمال لم يرد لحقه أو المال ، وهذا إذا كان ظاهره العدالة وإلا لم يمض شيء من ذلك لهذا إذا تعمد فإن قال : أخطأت ، قال ابن القاسم : ذلك على عاقلته إن كان الثلث فصاعدا ؛ لأنه خطأ ، وقال سحنون : في ماله ؛ لأن العاقلة لا تحمل الإقرار ، وقيل : ذلك هدر لا يحدد ذلك ، فإلزامه يمنع الناس من الولايات ، فإن أقر بالخطأ بعد الحكم وقبل أخذ المال ، فهل ينقض أم لا قولان ، وفي النوادر : إن أقر بالخطأ في الجلد ، فليس فيه شيء ، وإن أقر بالعمد أدب ، وإن أخطأ في الأدب بمجاوزة القدر أو [ ص: 144 ] الظلم ، فحسن أن يقيد من نفسه تبرعا ، تأسيا برسول الله _ صلى الله عليه وسلم _ والخلفاء ، ولا يلزمه إلا في العمد ، وما لزم عاقلته فهو رجل منهم .

                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                الخدمات العلمية