المانع السادس 
تهمة بطلان الحق ، قال صاحب البيان : لا تقبل شهادة أهل البادية إذا قصدوا دون الحاضر في المبايعات  ، والنكاح ، والهبة ، والإجارة ، والوصية ، والعتق   [ ص: 284 ] والتدبير ; لأن العدول إليهم في هذه ريبة في أصل الحق ، فلا شهادة لبدوي في الحضر على حضري ولا بدوي إلا في الجراح ، والقتل ، والزنا ، والشرب ، والضرب ، والشتم ، ونحوه مما لا يقصد الإشهاد عليه ، بل يقع بغتة ، وتجوز شهادتهم فيما يقع في البادية من ذلك كله على الحضري والبدوي ; لأن الموجود ثم ليس إلا عدولهم دون الحضر ، قال : فعلى هذا الأصل لو حضروا فيما يقع بين أهل الحاضرة من المعاملات وغيرها دون أن يحضروا لذلك أو يقصدوا له ، فشهدوا جاز ، وعن  مالك     : ترد شهادة البدوي على الحضري لبدوي مطلقا ، كان في الحضرة والبدوية ، لقول النبي - صلى الله عليه وسلم - : ( لا تجوز شهادة البدوي على القروي   ) ومن هذا المعنى : شهادة العالم على العالم ، فعن  ابن وهب     : لا يقبل القارئ على القارئ لما بين أهل العلم من التحاسد ، وجوز  ابن القاسم  شهادة البدوي في رؤية الهلال ، قال  مالك     : وإذا انقطع القروي في البادية وصار منهم  ، جازت شهادتهم له ، وفي النوادر : إذا مات الرجل بالبادية ، وكان يتجر بها قبلت شهادة أهل البادية لعبده أنه أعتقه ، وجميع أموره إذا كان لا يجد غيرهم ، ولولا ذلك بطلت حقوقه . 
وفي الجــواهر : قال  الإمام أبو عبد الله     : التهمة إذا كتب خطه في الوثيقة أو في الصداق وهو الحضر ، بخلاف ما لو سمعهما يتقارران ، أو في سفر ، قال  اللخمي     : لا يقبل البدوي إلا أن يعلم به كان مخالطا للحضريين ، أو يكون جميعهم مسافرين ، وكذلك بين حضري وبدوي إلا أن يكون البدوي من قرية الشاهد فيشهد بمداينة كانت في القرية أو في الحاضرة إذا كان معروفا بالعدالة وممن يعول في المداينة على مثله ، وقال   ابن حنبل     : لا يقبل البدوي مطلقا ، لنا : الحديث المتقدم ، وهو في  أبي داود  ، وبدوي لا يقبل شهادة بدوي على صاحب قرية ، وهو محمول عندنا على   [ ص: 285 ] توقع التهمة جمعا بينه وبين العمومات كقوله تعالى : ( شهيدين من رجالكم    ) [ . . . ] الكتاب ويحمل الحديث على من لم تعلم عدالته من الأعراب ، وهذا أولى ; لأنه يفضي إلى عدم التعارض ، وبما روي في الصحيحين أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - شهد عنده أعرابي على رؤية الهلال فقبل شهادته على الناس ، ولأن من قبلت شهادته في الجراح قبلت في غيرها أصله القروي ، ولأن الجراح آكد من المال فهو في المال أولى . 
والجواب عن الأول : أن جمعنا أولى ; لأنه لو كان لأجل عدم العدالة ; لم يبق في تخصيصه لصاحب القرية فائدة ، فدل التخصيص على المراد التهمة . 
وعن الثانــي : نحن نقبله في رؤية الهلال . 
وعن الثالث : الفرق : أن القروي لا يتهم ، والبدوي يتهم ، ولأن الجراح في الغالب يقصد بها الخلوات والمغفلات بخلاف العقود إذا عدل فيها عن أهل بلده إلى بدوي ، كان ذلك ريبة ، فإن قيل : الريبة فيمن أشهد لا في الشاهد ، قيل : الريبة حصلت في بطلان الحق فيكون أجلد الشاهد عنه كذبا فيرد . 
وعن الرابــع : أن الجراح أكل مسلم ، ولكنها سلمت عن التهمة ، والعقود فيها التهمة . 
فائــدة : البدوي منسوب للقرية ، وهي الدور المجتمعة ، من قريت الماء في الحوض إذا جمعته ، فكل مدينة قرية ، وليس كل قرية مدينة ; لأن المدينة من الإدانة وهي الطاعة ، فإذا كان في القرية من يطاع من ولاة الأمر ، فهي مدينة . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					