الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                                            الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

                                                                                                                                            الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            مسألة : قال الشافعي رضي الله عنه : " وإذا أخذ الوالي من رجل زكاته بلا نية في دفعها إليه أجزأت عنه كما يجزئ في القسم لها أن يقسمها عنه وليه أو السلطان ولا يقسمها بنفسه " .

                                                                                                                                            قال الماوردي : قد ذكرنا إيجاب النية في دفع الزكاة ، فإذا ثبت وجوبها فلا يخلو حال رب المال من أحد أمرين : إما أن يدفعها طوعا ، أو تؤخذ من ماله كرها ، فإن دفعها طوعا فله ثلاثة أحوال :

                                                                                                                                            إما أن يفرقها بنفسه ، أو يدفعها إلى وكيله ليدفعها عنه ، أو يدفعها إلى الوالي ، فإن فرقها بنفسه فلا بد من نية عند دفعها ، أو عند عزلها على الوجهين الماضيين فإن لم ينو لم يجزه ، فإن دفعها إلى وكيله فلها أربعة أحوال :

                                                                                                                                            إما أن ينويا معا أو لا ينويا ، أو ينوي الموكل دون الوكيل ، أو ينوي الوكيل دون الموكل ، فإن نويا معا فنوى الموكل عند دفعها إلى الوكيل ، ونوى الوكيل عند تفريقها على المساكين أجزأته الزكاة ، وإن لم ينويا ولأحد منهما لم يجزه ذلك عن زكاته ، لفقد النية ، وإن دفعها يحتمل أن يكون فرضا ونفلا ، وإن نوى الموكل دون الوكيل ففي إجزائهما وجهان : أحدهما : لا يجزئه ، وهو قول من زعم أن محل النية عند الدفع والتفرقة .

                                                                                                                                            والثاني : يجزئه ، وهو قول من زعم أن محل النية عند العزل وهو أصح الوجهين ؛ لأن الكل قد أجمعوا على جواز النيابة في تفريق الزكاة ، فلو كلف الموكل النية عند تفرقة الوكيل لشق عليه ، وأداه إلى المنع من الاستنابة ، وإن نوى الوكيل دون الموكل لم يجزه ؛ لأن دفعه إلى الوكيل قد يكون فرضا ونفلا ، فافتقر إلى نية يفرق بها بين الدفعين ، وإن رفعها إلى الإمام فلها أيضا أربعة أحوال :

                                                                                                                                            أحدها : أن ينويا جميعا فيجزئه .

                                                                                                                                            والثاني : أن ينوي رب المال دون الإمام فيجزئه وجها واحدا ؛ لأن يد الإمام يد للمساكين .

                                                                                                                                            [ ص: 185 ] والثالث : أن ينوي الإمام دون رب المال فيجزئه أيضا ؛ لأن الإمام لا يأخذ من المال إلا ما وجب ، بخلاف الوكيل .

                                                                                                                                            والرابع : أن لا ينوي رب المال ولا الإمام ففيه وجهان :

                                                                                                                                            أحدهما : وهو الصحيح وهو منصوص الشافعي أنه يجزئه ؛ لأن أخذ الإمام يتوجه إلى الفرض ؛ لأنه لا يأخذ إلا ما وجب .

                                                                                                                                            والثاني : وهو قول بعض أصحابه : لا يجزئه لفقد النية المشروطة في الأداء .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية