ولو مع شرطه أن يتحلل إذا أحصر ولو بلا هدي ( ذبح ) لزوما للآية والخبر السابقين ، وإنما لم يؤثر شرطه التحلل بالإحصار في إسقاط الدم كما أثر فيه شرطه التحلل بمرض أو نحوه ; لأن التحلل بالإحصار جائز بلا شرط فشرطه لاغ ( شاة ) مجزئة في الأضحية ( حيث أحصر ) من حل أو حرم ، وفرق لحمها على مساكين ذلك الموضع ويقاس بهم فقراؤه ، ولا يلزمه إذا أحصر في الحل أن يبعث بها إلى ( ومن تحلل ) أي أراد التحلل : أي الخروج من النسك بالإحصار الحرم ، فإنه صلى الله عليه وسلم ذبح هو وأصحابه بالحديبية وهي من الحل ، ويقوم مقام الشاة بدنة أو بقرة أو سبع أحدهما ، وكذلك يذبح هناك ما لزمه من دماء المحظورات قبل الإحصار وما معه من هدي التطوع ، وقضية إطلاق المصنف جواز الذبح في موضعه إذا أحصر في الحل ولو تمكن من بعض الحرم وهو الأصح في أصل الروضة ، وليس في نص ما يخالفه وإن زعمه بعض المتأخرين ، وأفهم قوله حيث أحصر أنه لو أحصر في موضع من الحل وأراد أن يذبح بموضع آخر منه لم يجز ، وهو كذلك ; لأن موضع الإحصار قد صار في حقه كنفس الشافعي الحرم وهو نظير منع المتنفل إلى غير القبلة من التحول إلى جهة أخرى ، واتفقوا على جواز إيصاله إلى الحرم لكنه لا يتحلل حتى يعم بنحره ، وأفهم أيضا أنه لو أحصر في موضع من الحرم لم يجز نقله إلى موضع آخر من الحرم ، والمنقول كما قاله الأذرعي أن جميع الحرم كالبقعة الواحدة انتهى .
وقوة الكلام تعطي حصول التحلل [ ص: 366 ] بالذبح ولهذا قال المصنف ( قلت : إنما يحصل التحلل بالذبح ) لقوله تعالى { ولا تحلقوا رءوسكم حتى يبلغ الهدي محله } وبلوغه محله نحوه ( ونية التحلل ) عنده ; لأن الذبح قد يكون للتحلل وقد يكون لغيره فلا بد من قصد صارف ( وكذا الحلق إن جعلناه نسكا ) وهو المشهور ; لأنه ركن من أركان الحج قدر على الإتيان به فلا يسقط ، ولا بد من مقارنة نية التحلل للذبح والحلق ومن تقديم الذبح على الحلق للآية ( فإن فقد الدم ) حسا أو شرعا كأن احتاج إليه أو إلى ثمنه أو وجده غاليا ( فالأظهر أن له بدلا ) كغيره من الدماء الواجبة على المحرم ، والثاني لا بدل له لعدم وروده فيبقى في ذمته ( و ) الأظهر على الأول ( أنه ) أي بدله ( طعام ) ; لأنه أقرب إلى الحيوان من الصيام لاشتراكهما في المالية فكان الرجوع إليه عند الفقد أولى ( بقيمة الشاة ) مراعاة للقرب فتقوم الشاة بدراهم ويخرج بقيمتها طعاما ( فإن عجز عنه صام عن كل مد يوما ) كما في الدم الواجب بالإفساد ( له ) إذا انتقل إلى الصوم ( للتحلل في الحال في الأظهر ، والله أعلم ) بالحلق والنية عنده ، ومقابله يتوقف التحلل على الصوم كما يتوقف على الإطعام ، وفرق الأول بأن الصوم يطول زمانه فتعظم المشقة في الصبر على الإحرام إلى فراغه المانع .