وهنا ينشأ النزاع في المسألة الثانية، وهو أن على قولين للنظار. وكثير من أهل الكلام المحدث المتلقى عن جهم وأبي الهذيل ومن اتبعهما من المعتزلة وغيرهم، يقولون: إنه لا يفتقر إليه إلا في حال الإحداث، لا في حال البقاء. وهذا القول في مقابلة قول الفلاسفة الدهرية، الذين يقولون: افتقار الممكن إلى الواجب لا يستلزم حدوثه بل افتقاره إليه في حال بقائه دائما أزلا وأبدا. المحدث المخلوق هل افتقاره إلى الخالق المحدث وقت الإحداث فقط، أو هو دائما مفتقر إليه،
فهؤلاء زعموا وجود الفعل بلا حدوث شيء، وأولئك زعموا أن المخلوق لا يفتقر إلى الخالق دائما، وكلا القولين باطل كما قد بسط في موضعه.
والمقصود هنا أن كثيرا مما يجعلونه مقدمات في أدلة إثبات الصانع، وإن كان حقا فإنه لا يحتاج إليه عامة الفطر السليمة، وإن كان من عرضت له شبهة قد ينتفع به. [ ص: 143 ]
والكلام على إبطال الدور والتسلسل هو من هذا الباب، وما سلكوه من الطرق بقطع التسلسل والدور فهو طريق صحيح أيضا.