الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
فإذا قيل: الإنسان حيوان ناطق. [ ص: 328 ]

قيل: إن كانت الحيوانية والناطقية أعراضا، فهي صفات الإنسان. وإن كانت جواهر فهنا جوهر هو إنسان، وجوهر هو حيوان، وجوهر هو ناطق، وجوهر هو جسم، وجوهر هو حساس، وجوهر هو نام. ومعلوم فساد هذا.

وحقيقة الأمر أنها صفات لما يتصور في الأذهان، وصفات لما هو موجود في الأعيان، وأن الذات هي أحق بتقويم الصفات من الصفات بتقويم الذات.

وأيضا فإن أرادوا تصور الصفات مفصلة، فمعلوم أن قولهم: حيوان ناطق، لا يوجب تصور سائر الذاتيات مفصلا، فإن كونه جسما ناميا وحساسا ومتحركا بالإرادة لا يدل عليه اسم الحيوان دلالة مفصلة، بل مجملة، وإن أرادوا بالتصور التصور سواء كان مجملا أو مفصلا فمعلوم أن لفظ الإنسان يدل على الحيوان والناطق، كما يدل لفظ الحيوان على الجسم النامي الحساس المتحرك بالإرادة، فيكون اسم الإنسان كافيا في تعريف صفات الإنسان، مثل ما أن لفظ الحيوان كاف في تعريف صفات الحيوان.

فإذا كانوا في تعريف الإنسان لا يأتون إلا بلفظ يدل على صفاته الذاتية دلالة مجملة، وهذا القدر حاصل بلفظ الإنسان، كان تعريفهم من جنس التعريف بالأسماء، وكان ما جعلوه حدا من جنس ما جعلوه اسما. [ ص: 329 ]

فإن كان أحدهما دالا على الذات فكذلك الآخر، وإلا فلا. فلا يجوز جعل أحدهما مصورا للحقيقة دون الآخر، غاية ما يقال: إن في هذا الكلام من تفصيل بعض الصفات ما ليس في الآخر.

فإن قول القائل: حيوان ناطق، فيه من الدلالة على معنى النطق باللفظ الخاص ما ليس في لفظ "الإنسان".

فيقال: وكذلك في لفظ "النامي" من الدلالة على النمو باللفظ الخاص ما ليس في لفظ الحيوان، وأنتم لا توجبون ذلك.

وكذلك لفظ "الحساس" و "المتحرك بالإرادة" فعلم أن كلامهم لا يرجع إلى حقيقة موجودة معقولة، وإنما يرجع إلى مجرد وضع واصطلاح وتحكم واعتبارات ذهنية، وهذا مبسوط في موضعه.

التالي السابق


الخدمات العلمية