الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
وقال الرازي أيضا: "قد كان الواجب على ابن سينا أن يتكلم قبل هذا الفصل في بيان أن سبب الممكن لا يكون مقدما عليه تقدما زمانيا، فإنه لو جاز ذلك لما امتنع إسناد كل ممكن إلى آخر قبله لا إلى أول، وذلك عنده غير ممتنع، فكيف يمكن إبطاله لإثبات واجب الوجود. وأما إذا قامت الدلالة على أن السبب لا بد من وجوده مع المسبب، فحينئذ لو حصل التسلسل لكانت تلك الأسباب والمسببات بأسرها حاضرة معا، وذلك عنده محال. [ ص: 290 ]

والبرهان الذي ذكره في إبطال التسلسل أيضا مختص بهذه الصورة، فكان الأولى تقديم الكلام في هذه المسألة، لكن لما كان في عزمه أن يذكره في موضع آخر، وهو النمط الخامس من هذا الكتاب، لا جرم تساهل فيه ههنا".

قلت: مثل هذا الكلام هو الذي أوجب أن يدخل هذا القسم من أدخله في هذا الدليل كالآمدي وغيره، ولا حاجة إليه، بل ما ذكره ابن سينا كاف.

والدليل الذي ذكره على إبطال التسلسل في العلل يوجب إبطال علل متسلسلة، سواء قدرت مجتمعة أولا، كما قد تبين من كلامه، وهو لا يجوز عللا متسلسلة: لا متعاقبة ولا غير متعاقبة، وإنما يجوز حوادث متسلسلة، وتلك عنده شروط لحدوث الحوادث، لا علل ولا أسباب بمعنى العلل، ولا يجوز عنده إسناد كل ممكن إلى ممكن قبله أصلا، ولكن يجوز أن يكون وجوده مشروطا بوجود ممكن قبله، وبين العلة والشرط فرق معروف.

ومن هنا دخل الغلط على الرازي في هذا الاعتراض، ولهذا كان سائر من تكلم في إبطال العلل المتسلسلة، لم يحتج إلى ذكر هذا القسم أصلا، ولا يقولون: إن الممكن أو الحادث الذي يوجد قبل الممكن أو الحادث هو علة أيضا، ولا هو مستند وجوده، وإنما يقولون: هو شرط فيه. [ ص: 291 ]

وأيضا فإسناد كل ممكن إلى آخر قبله إما أن يراد به أنه يستند إلى آخر موجود قبله، فيستمر الوجود إلى حين وجود الممكن المفعول، وإما أن يراد به إلى آخر يكون موجودا قبله ويعدم قبله.

فإن أريد الأول فمعلوم أنه إذا بطل إسناده إلى ممكن موجود مع وجوده، كان هذا متناولا لما يوجد مع ذلك قبل وجوده، ولما لم يوجد إلا عند وجوده، فلا حاجة إلى تخصيص ما وجد قبل وجوده بالذكر، كما لا يحتاج إلى تخصيص ما يبقى بعد وجوده بالذكر، إذ الدليل يتناول كل ما كان موجودا عند وجوده، سواء وجد قبل ذلك أيضا، أو بعد ذلك أيضا، أو لم يكن موجودا حين وجوده.

التالي السابق


الخدمات العلمية