الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                فرع

                                                                                                                في الكتاب : إذا غرس أو بنى أمر بقلعه ذلك إن كان له قيمة الآن ؛ نفيا لعرق الظالم إلا أن تريد إعطاءه القيمة مقلوعا فذلك لك ؛ لأن القلع مستحق ، فإذا أخذت بالقيمة تصونت المالية في التنفيذ عن الضياع ، وكل ما لا منفعة له فيه بعد القلع كالجص‌‌‌ والنقش لا شيء له فيه ؛ لأن القلع مستحق ، ولا مالية بعده ، فليس للغاصب غرض صحيح في قلعه ، بل فساد محض ، فلا يمكن منه . وقال ( ش ) وابن حنبل : لا يجبر الغاصب على أخذ قيمة الغرس ؛ لأنها أعيان ملك له ، فلا يجبر على إخراج ملكه بغير اختياره . وجوابه : ما تقدم ، وقال ابن حنبل : لا يجبر على قلع الزرع من الأرض ، بل يخير بين تركه حتى يحصد أو يعطيه نفقته ويأخذ الزرع ، بخلاف الغرس لما

                                                                                                                [ ص: 15 ] في أبي داود : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ( من زرع أرض قوم بغير إذنهم فليس له في الزرع شيء ، وعليه نفقته ) وفي الكتاب : ما حفر من بئر أو مطمورة كالبناء ؛ لأنه مستحق الإزالة . وفي التنبيهات : في بعض الأمهات : ليس له تراب ردم به حفرة ، فيحتمل أن التراب من تراب الأرض فلا حق له فيه ، وإن كان لك بالحفرة منفعة فلك إلزامه طرحه ، كان التراب لك أو له ، ولك إلزامه برده إلى موضعه نفيا لضرر العدوان ، قال ابن يونس : له القيمة بعد طرح أجرة النقل ، وقال ( ح ) : ليس لك إلا القيمة . لنا : أن الأرض ملكك ، والأصل بقاء ملكك عليها ، وقوله - عليه السلام - : ( على اليد ما أخذت حتى ترده ) وقوله - عليه السلام - : ( ليس لعرق ظالم حق ) وبالقياس على ما قبل البناء ، وفي الموازية : إن هدمها خيرت بين قيمة الدار يوم الغصب أو العرصة والنقض ، ولا تتبعه بشيء لتمكنك من أخذ القيمة يوم الغصب ، ولو هدمها ثم بناها بنقضها كما كانت بنفسه ، فللغاصب قيمة هذا النقض المبني منقوضا اليوم ، وعليه قيمة ذلك منقوضا ، فيتقاصان ، وهو مذهب مالك وأشهب ، قال : وهو أحب إلي لأنه يضمن النقص لما هدم ، والضمان لا يوجب الملك ، فعليه قيمته أولا ، وله قيمته آخرا لانتقاله لملكه ، وقال ابن القاسم : يحسب على الهادم قيمة ما هدم قائما ، وتحسب له قيمة ما بنى منقوضا لأنه أفسد التنضيد على المالك ، ولك قلع الزرع في إبان الحرث بل قلعه المتعدي وفي غير الإبان ، لك الكراء فقط ، لعدم الفائدة في القلع ، فلا يمكن منه ، كما لا يمكن الغاصب من قلع التزويق ، وما لا ينتفع به بعد

                                                                                                                [ ص: 16 ] القلع ، قال ابن القاسم : فإن كان الزرع صغيرا لا ينتفع به الغاصب فهو لك بغير شيء كتبييض الدار ، ولا بذر عليك ، وليس لك إجباره في الإبان على بقاء الزرع الصغير بالكراء لأنه يقضى به لك ، فكأنه بيع زرع لم يبد صلاحه مع كراء الأرض ، قاله محمد ، وعن ابن القاسم : إذا كان في الإبان وهو إذا قلع انتفع به أخذ الكراء منه ، ويأمره بقلعه ، إلا أن يتراضيا على أمر جائز ، فإن رضي بتركه جاز إذا رضيت ، وإذا لم يكن في قلعه نفع ترك لرب الأرض إلا أن يأباه فيأمر بقلعه ، فإذا فات الإبان ولا تنتفع بأرضك إذا قلع ، فقيل : لك قلعه لقوله - عليه السلام - ( ليس لعرق ظالم حق ) فعم ، وقيل : ليس لك إلا الكراء ، لأن القلع ضرر محض ، وعن مالك : إذا أسبل لا يقلع لأنه من الفساد العام للناس ، كما يمنع من ذبح ما فيه قوة الحمل من الإبل وذوات الدر من الغنم ، وما فيه الحرث من البقر ، وتلقي الركبان ، واحتكار الطعام ، وإن امتنعت من دفع قيمة بناء البئر أو المطامير ، قيل للمبتاع : ادفع قيمة الأرض وخذها ، واتبع من اشتريت منه بالثمن ، فإن أبى كنتما شريكين بقيمة العرصة وقيمة البناء ، وقال ابن أبي زيد : ما لك : إذا كان المبتاع قد طوى البئر بالآجر ، وأما مجرد الحفر فلا شيء له فيه ، قال ابن يونس : وما ذكره إنما يكون في الغاصب ، وأما المبتاع فله قيمة الحفر ، لأنه غير متعد ، قال اللخمي : إذا هدم الدار خيرت بين مؤاخذته بالغصب فتغرمه قيمتها قائمة يوم الغصب ، أو تؤاخذه بالعدا فتغرمه قيمتها قائمة يوم الهدم ، لأن اليد العادية والتعدي سيان ، أنت مخير [ ص: 17 ] فيهما ، أو تأخذ العرصة وتغرمه ما نقص الهدم ، على أن الأنقاض ( للغاصب ، أو تأخذ العرصة والأنقاض وتغرمه ما نقص الهدم ) لصاحبها يقال : ما قيمتها قائمة ومهدومة على هيئتها فيغرم ما بينهما ، ثم يختلف متى تكون قيمة النقض : فعند ابن القاسم : يوم الهدم ؛ لأن الإتلاف أقوى في التضمين من يد العدوان ، لأن الإتلاف يتعقبه الضمان ، واليد لا يضمن حتى يتلف العين أو تتغير ، وما يعقبه مسببه أقوى ، وقال سحنون : يوم الغصب ، لأنه السابق يندرج فيه ما بعده كالحيض بعد الجنابة ، والسراية للنقص بعد الجناية على الطرف ، قال اللخمي : وأرى أن عليه الأكثر من قيمة الوقتين ، قال ابن القاسم : وإذا هدمها المشتري لا شيء عليه إذا أراد أن يتوسع ، وقال محمد : لا شيء عليه في الهدم بخلاف الثوب يشتريه ويقطعه ، لأن هدم الدار ليس بمتلف للقدر على الرد بخلاف الثوب ، وكذلك الحلي يشتريه ويكسره ، ولا شيء في الكسر ، قال اللخمي : وليس هذا الفرق بالبين ، لأن الإعادة تتوقف على مال كثير ، بل مضرة هدم الدار أعظم من مضرة القطع للثوب بكثير ، فإن بناها الغاصب بنقضها خيرت في قيمتها يوم الغصب أو يوم الهدم ، أو تأخذها أو تغرمه قيمة ما هدم قائما يوم هدم ، على أن النقض يبقى له وتعطيه قيمة اليوم مهدوما أو تغرمه قيمة التلفيق وحده ويبقى النقض لك ، ومن غصب نخلة قائمة فقلعها فقيمتها قائمة تقوم بأرضها يوم تقوم الأرض ، ويسقط عن الغاصب ما ينوب الأرض ، لأن أرضها بقيت لصاحبها ، وكذلك الودي إذا أتلفه ولم يغرسه ، ولو قيل : يغرم قيمته للغراسة لصح ، فإن باعه فغرسه المشتري واستحق بفور ذلك فللمستحق أخذه ، وعليه قيمة خدمته إن كانت بقعته ونقلته وكبر وكان إن قلع نبت كان لمستحقه أخذه ، وعلى قول [ ص: 18 ] ابن مسلمة : ذلك فوت ، ولك قيمته يوم غرسه ، وإن كان إن قلع لم ينبت لم تأخذه ، ويختلف متى تكون فيه القيمة يوم غرسه أو اليوم ؟ كما تقدم في النقض إذا بنى بها ، ومن حفر أرضا عليه ما نقصها الحفر إلا أن يعيدها لهيئتها ، وإن كانت محفورة فهدمها فعليه إزالة ذلك الردم منها .

                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                الخدمات العلمية