الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
ومن الفوائد : إن كان النصاب مرهونا ، ووجبت فيه الزكاة ، فهل تؤدى زكاته منه ؟ هنا حالتان . إحداهما : أن لا يكون له مال غيره يؤدي منه الزكاة فهنا يؤدي الزكاة من عين الرهن ، صرح به الخرقي والأصحاب .

الحالة الثانية : أن يكون للمالك مال يؤدي منه الزكاة غير الرهن ، فهنا ليس له أداء الزكاة منه بدون إذن المرتهن على الصحيح من المذهب ، وذكره الخرقي أيضا ، وذكر في المستوعب أنه متى قلنا : الزكاة تتعلق بالدين قبله ، [ ص: 43 ] أخرجها ، منه أيضا ; لأنه تعلق قهري ، وينحصر في العين . فهو كحق الجناية وقال في الفروع : ويزكى المرهون على الأصح ، ويخرجها الراهن منه بلا إذن إن عدم . كجناية رهن على ديته ، وقيل : منه مطلقا ، وقيل : إن علقت بالعين . وقيل : يزكي راهن موسر ، وإن أيسر معسر جعل بدله رهنا ، وقيل : لا . انتهى .

ومن الفوائد : التصرف في النصاب أو بعضه ببيع ، أو غيره ، والصحيح من المذهب : صحته ، ونص عليه الإمام أحمد .

قال الأصحاب : وسواء قلنا الزكاة في العين أو في الذمة ، وذكر أبو بكر في الشافي ، إن قلنا : الزكاة في الذمة ، صح التصرف مطلقا ، وإن قلنا : في العين ، لم يصح التصرف في مقدار الزكاة ، قال ابن رجب : وهذا متوجه على قولنا : إن تعلق الزكاة تعلق شركة أو رهن ، صرح بعض المتأخرين ، قلت : تقدم ذلك في الفائدة الثالثة قريبا ، ونزل أبو بكر هذا على اختلاف الروايتين المنصوصتين عن أحمد في المرأة إذا وهبت زوجها مهرها الذي لها في ذمته ، فهل تجب زكاته عليه أو عليها ؟ قال : فإن صححنا هبة المهر جميعه فعلى المرأة إخراج زكاته من مالها ، وإن صححنا الهبة فيما عدا مقدار الزكاة قدر الزكاة حق للمساكين في ذمة الزوج فيلزمه أداؤه إليهم ، ويسقط عنه بالهبة ما عداه ، قال ابن رجب : وهذا بناء غريب جدا ، وعلى المذهب : لو باع النصاب كله ، تعلقت الزكاة بذمته حينئذ بغير خلاف كما لو تلف ، فإن عجز عن أدائها ، فقال المجد : إن قلنا : الزكاة في الذمة ابتداء لم يفسخ البيع ، وإن قلنا : في العين فسخ البيع في قدرها ، تقديما لحق المساكين ، وجزم به في القاعدة الرابعة والعشرين . وقال المصنف : تتعين في ذمته كسائر الديون بكل حال ثم ذكر احتمالا بالفسخ في مقدار الزكاة من غير بناء على محل التعلق . [ ص: 44 ]

ومن الفوائد : إذا كان النصاب غائبا عن مالكه ، لا يقدر على الإخراج منه ، لم يلزمه إخراج زكاته حتى يتمكن من الأداء منه ، نص عليه ، وصرح به المجد في موضع من شرحه . ونص أحمد فيمن وجب عليه زكاة مال فأقرضه ، لا يلزمه أداء زكاته حتى يقبضه ، قال في القواعد : ولعله يرجع إلى أن أداء الزكاة لا يجب على الفور ، وقال القاضي ، وابن عقيل : ويلزمه أداء زكاته قبل قبضه ; لأنه في يده حكما ولهذا يتلف من ضمانه بخلاف الدين في ذمة غريمه ، وكذا ذكرها المجد في موضع من شرحه ، وأشار في موضع إلى بناء ذلك على محل الزكاة .

فإن قلنا : الذمة ، لزمه الإخراج عنه من غيره ; لأن زكاته لا تسقط بتلفه ، بخلاف الدين ، وإن قلنا : العين ، لم يلزمه الإخراج حتى يتمكن من قبضه ، وقال ابن تميم ، وصاحب الفروع : ومن كان له مال غائب ، وقلنا : الزكاة في العين ، لم يلزمه الإخراج عنه ، وإن قلنا : في الذمة ، فوجهان ، قال ابن رجب : والصحيح الأول ، وقال : ووجوب الزكاة على الغائب إذا تلف قبل قبضه ، مخالف لكلام أحمد ، ومن الفوائد : ما تقدم على قول ، وهو ما إذا أخرج رب المال زكاة حقه من مال المضاربة منه فالصحيح من المذهب : أنه يحسب ما أخرجه من رأس المال ونصيبه من الربح ، كما تقدم ، وقيل : يحسب من نصيبه من الربح خاصة ، اختاره المصنف في المغني ، وقال في الكافي : هي من رأس المال ، فبعض الأصحاب بنى الخلاف على الخلاف في محل التعلق ، فإن قلنا : الذمة فهي محسوبة من الأصل والربح ، كقضاء الديون . وإن قلنا : العين ، حسبت من الربح كالمؤنة ، قالابن رجب في القواعد : ويمكن أن يبنى على هذا الأصل أيضا : الوجهان في جواز إخراج المضارب زكاة حصته من مال المضاربة ، فإن قلنا : الزكاة [ ص: 45 ] تتعلق بالعين ، فله الإخراج منه ، وإلا فلا ، قال : وفي كلام بعضهم إيماء إلى ذلك .

فائدة : قال في الفروع : النصاب الزكوي سبب لوجوب الزكاة ، وكما يدخل فيه إتمام الملك يدخل فيه من يجب عليه أو يقال : الإسلام والحرية شرطان للسبب . فعدمهما مانع من صحة السبب وانعقاده ، وذكر غير واحد هذه الأربعة ، شروطا للوجوب كالحول ، فإنه شرط للوجوب بلا خلاف لا أثر له في السبب ، وأما إمكان الأداء فشرط للزوم الأداء ، وعنه للوجوب . انتهى .

التالي السابق


الخدمات العلمية