الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                            ( ويحرم [ ص: 91 ] على الرجل ) والخنثى ( حلي الذهب ) ولو في آلة حرب للخبر المار إلا إن صدئ بحيث لا يبين كما في المجموع عن جمع وأقره ، ووجهه زوال الخيلاء عنه حينئذ نظير ما مر في إناء نقد صدئ أو غشي ( إلا الأنف ) للمجدوع فيجوز له اتخاذه منه ، وإن أمكن من فضة لأن { عرفجة بن أسعد قطع أنفه يوم الكلاب بضم الكاف اسم لماء كانت الوقعة عنده في الجاهلية ، فاتخذ أنفا من ورق فأنتن عليه ، فأمره النبي صلى الله عليه وسلم فاتخذ أنفا من ذهب } . رواه الترمذي وحسنه وابن حبان وصححه

                                                                                                                            ( و ) إلا ( الأنملة ) فيجوز اتخاذها منه قياسا على الأنف ، ولو لكل أصبع والأنملة بتثليث الهمزة والميم تسع لغات أفصحها وأشهرها فتح الهمزة وضم الميم ، والأنامل أطراف الأصابع وفي كل أصبع غير الإبهام ثلاث أنامل ( و ) إلا ( السن ) فيجوز لمن قلعت سنه اتخاذ بدلها مما ذكر قياسا على الأنف وإن تعددت كما هو ظاهر إطلاقهم ، وله شد السن به عند تزلزلها ولا زكاة في ذلك ، وإن أمكن نزعه ورده كما اقتضاه كلام الماوردي ، وكل ما جاز من الذهب فهو بالفضة أولى وحكمة جوازه مع التمكن من الاتخاذ منها أنه لا يصدأ إذا كان خالصا بخلافها ولا يفسد المنبت أيضا ، وقد شد عثمان وغيره أسنانهم به ولم ينكره أحد ( لا الأصبع ) والأنملتين منه فلا يجوز من ذهب ولا فضة ; لأنها لا تعمل فتكون لمجرد الزينة ، بخلاف السن والأنملة فإنه يمكن [ ص: 92 ] تحريكها ويؤخذ منه عدم جواز أنملة سفلى كالأصبع لما ذكر ، وعلم منه حرمة اليد بطريق الأولى ، وأخذ الأذرعي مما تقدم أن ما تحت الأنملة لو كان أشل امتنعت ، ويؤخذ منه أن الزائدة إن عملت حلت وإلا فلا ( ويحرم ) ( سن الخاتم ) على الرجل من ذهب استعمالا واتخاذا ، والمراد به الشعبة التي يستمسك الفص بها ( على الصحيح ) لعموم أدلة المنع مع عدم الحاجة له ، وسواء في ذلك قليله وكثيره ، ويفارق ضبة الإناء الصغيرة على رأي الرافعي بأن الخاتم أدوم استعمالا من الإناء ومقابله يلحقه بالضبة المذكورة ( ويحل له ) أي الرجل ومثله الخنثى بل أولى ( من الفضة الخاتم ) أي لبسه في خنصر يمينه وفي خنصر يساره للاتباع ، لكن لبسه في اليمين أفضل ; لأنه زينة واليمين أشرف ، ويجوز لبسه فيهما معا بفص وبدونه ، وجعل الفص في باطن الكف أفضل للأخبار الصحيحة فيه ، ويجوز نقشه وإن كان فيه ذكر الله تعالى ولا كراهة فيه .

                                                                                                                            قال ابن الرفعة : وينبغي أن ينقص الخاتم من مثقال لخبر أبي داود { أنه صلى الله عليه وسلم قال لرجل وجده لابس خاتم حديد : ما لي أرى عليك حلية أهل النار ، فطرحه فقال : يا رسول الله من أي شيء أتخذه ؟ قال : من ورق ولا تبلغه مثقالا } ا هـ . والخبر ضعفه المصنف في شرحي المهذب ومسلم ، وقال النيسابوري : إنه منكر ، واستغربه الترمذي وإن صححه ابن حبان وحسنه ابن حجر

                                                                                                                            فالمعتمد ضبطه بالعرف فيرجع في زنته له كما اقتضاه كلامهم ، وصرح به الخوارزمي وغيره ، فما خرج عنه كان إسرافا كما قالوه في الخلخال للمرأة ، وعلى تقدير الاحتجاج بالخبر المار فهو محمول على بيان الأفضل ، وعلى [ ص: 93 ] ما تقرر فالأوجه اعتبار عرف أمثال اللابس ويجوز تعدده اتخاذا ولبسا ، فالضابط فيه أيضا أن لا يعد إسرافا .

                                                                                                                            قال ابن العماد : إنما عبر الشيخان بما مر لأنهما يتكلمان في الحلي الذي لا تجب فيه الزكاة ، أما إذا اتخذ خواتم ليلبس اثنين منهما أو أكثر دفعة فتجب فيها الزكاة لوجوبها في الحلي المكروه

                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                            حاشية الشبراملسي

                                                                                                                            ( قوله : والخنثى ) ولو اتضح بالأنوثة وقد مضى حول أو أكثر فينبغي وجوب الزكاة ; لأنه في مدة الخنوثة ممنوع من الاستعمال فأشبه الأواني إذا اتخذت على وجه محرم ، ويحتمل على بعد عدم وجوبها اعتبارا بما في نفس الأمر ، ويفرق بينه وبين الأواني بأنها محرمة في الظاهر وفي نفس الأمر ( قوله : إلا إن صدئ بحيث لا يبين ) أي فلا حرمة ، لكن ينبغي كراهته فتجب الزكاة فيه ، ثم إن استعمله على وجه لا يوجد إلا في النساء حرم لما فيه من التشبه بهن ، وإلا فلا ( قوله : إلا الأنف ) وينبغي أن مثل الأنف العين إذا قلعت ، واتخذ بدلها من ذلك فيما يظهر فيجوز ( قوله للمجدوع ) هو بالدال المهملة ، وعبارة المختار : الجدع قطع الأنف وقطع الأذن أيضا وقطع اليد والشفة وبابه قطع ( قوله : لأن عرفجة بن أسعد ) في الدميري : ابن صفوان ا هـ ، وهو نسبة لجده ، ففي الإصابة عرفجة بفتح العين والفاء بينهما راء ساكنة ، والجيم ابن سعد بن كرز بن صفوان التميمي السعدي . وقيل العطاردي كان من الفرسان في الجاهلية وشهد الكلاب فأصيب أنفه ثم أسلم فأذن له النبي صلى الله عليه وسلم أن يتخذ له أنفا من ذهب . أخرج حديثه أبو داود وهو معدود في أهل البصرة

                                                                                                                            ( قوله : أفصحها أو أشهرها فتح الهمزة وضم الميم ) في الدميري أصحها فتح همزتها وميمها ولم يحك الجوهري غيرها ا هـ .

                                                                                                                            وعبارة المختار : والأنملة بالفتح واحدة الأنامل وهي رءوس الأصابع .

                                                                                                                            قلت : الأنملة بفتح الهمزة والميم أيضا لأنه ذكرها في الديوان في باب أفعل وقد يضم أولها ، ذكره ثعلب في باب المفتوح أوله من الأسماء ، وأما ضم الميم فلا أعرف أحدا ذكره غير المطرزي في المغرب ، وقد نظم بعضهم لغات الأنملة والأصبع فقال :

                                                                                                                            يا أصبع ثلثن مع ميم أنملة وثلث الهمزة أيضا وارو أصبوعا

                                                                                                                            ( قوله : وإن تعددت ) أي بل وإن كانت بدلا لجميع الأسنان ( قوله : ولا زكاة في ذلك ) يؤخذ من نفي الزكاة عدم كراهة اتخاذه ; لأنه لو كان مكروها لوجبت فيه كما تقدم في الضبة ( قوله : لا الأصبع ) أي ولو للمرأة م ر ا هـ سم على [ ص: 92 ] منهج .

                                                                                                                            أقول : ولو قيل بجوازه لإزالة التشويه عن يدها بفقد الأصبع وحصول الزينة لم يبعد ( قوله : ويؤخذ منه عدم جواز أنملة سفلى ) أي بأن فقدت أصبعه فأراد اتخاذ أنملة بدل السفلى من أنامل الأصبع فلا يجوز ; لأنها لا تتحرك كما لا يجوز اتخاذ الأصبع لذلك ، ومثل الأنملة السفلى الأنملة الوسطى لوجود علة منع الأنملتين فيها ( قوله : ويحرم سن الخاتم على الرجل إلخ ) ويحرم عليه أيضا لبس الدملج والسوار والطوق خلافا للغزالي ا هـ دميري .

                                                                                                                            والدملج بضم الدال واللام ا هـ مختار ( قوله : ويحل له من الفضة الخاتم ) أي ويحل له الختم به أيضا ، ونقل بالدرس عن الكرماني على البخاري ما يوافقه عن شيخنا الزيادي أنه نقل أولا الحرمة ثم رجع واعتمد الجواز فلله الحمد ( قوله : وفي خنصر يساره ) مفهومه أن غير الخنصر لا يحل ، وعبارة حج : وحكي وجهان في جوازه في غير الخنصر ، وقضية كلامهم الجواز .

                                                                                                                            ثم رأيت القمولي صرح بالكراهة وسبقه إليها في شرح مسلم والأذرعي صوب التحريم ، والأوجه الأول وفيه : ويتردد النظر في قطعة فضة ينقش عليها ، ثم تتخذ ليختم بها هل يحل ; لأنه لا يسمى إناء فلا يحرم اتخاذه أو تحرم لأنه يسمى إناء لحبر الختم ؟ ومر آخر الأواني أن ما كان على هيئة الإناء حرم سواء أكان يستعمل في البدن أم لا ؟ وما لم يكن كذلك فإن كان الاستعمال متعلقا بالبدن حرم وإلا فلا ، وحينئذ فالأوجه الحل ا هـ رحمه الله .

                                                                                                                            وعبارة شيخنا الزيادي : وخرج بالخاتم الختم وهو قطعة فضة ينقش عليها اسم صاحبها ، ويختم بها فلا تجوز ، وبحث بعضهم الجواز ( قوله : ولا كراهة فيه ) أي في النقش لكن يحرم استعماله إذا أدى ذلك إلى ملاقاة النجس كأن لبسه [ ص: 93 ] في اليسار واستنجى بها بحيث فصل ماء الاستنجاء إليه ( قوله : ويجوز تعدده إلخ ) ظاهره ولو كثرت وخرجت عن عادة أمثاله كعشرين خاتما مثلا ( قوله : اتخاذا ولبسا ) أي في وقتين مختلفين أخذا من قوله الآتي أما إذا اتخذ خواتيم ليلبس اثنين إلخ ، وكذا في وقت واحد لكن تجب فيه الزكاة كما يأتي ، لكن قضية قوله فيما يأتي لوجوبها في الحلي ، المكروه أن التعدد في الوقت الواحد حيث جرت به عادة مثله مكروه لا حرام وهو مقتضى إطلاقه هنا ، وعليه لا يضر ; لأنه لا تلازم بين الجواز ووجوب الزكاة ، ثم رأيت حج ذكر في ذلك خلافا طويلا واستوجه الكراهة ( قوله فتجب فيها الزكاة ) أي بخلاف ما إذا اتخذها ليلبسها واحدا بعد واحد ا هـ سم عن مر



                                                                                                                            حاشية المغربي

                                                                                                                            [ ص: 89 - 91 ] قوله : وفي كل أصبع غير الإبهام ثلاث أنامل ) هو قول منقول عن الشافعي وبعض أهل اللغة مقابل لما قبله [ ص: 92 ] المنقول عن الجمهور ولا يخفى ما في سياق الشارح ( قوله : أي لبسه في خنصر يمينه وفي خنصر يساره للاتباع ) لا يخفى أن الاتباع دليل الندب لا دليل الحل فقط ، فكان عليه أن يقول عقب قول المصنف يحل بل يسن ثم يستدل له بالاتباع كما صنع غيره ( قوله : ويجوز نقشه وإن كان فيه ذكر الله تعالى ) في هذا التعبير حزازة وعبارة الدميري : [ ص: 93 ] ويجوز أن يكون فضة منقوشا باسم الله ( قوله : إنما عبر الشيخان بما مر ) أي بالخاتم كما في المتن




                                                                                                                            الخدمات العلمية