الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
( وإن كان الآبق رهنا فالجعل على المرتهن ) لأنه أحيا ماليته بالرد وهي حقه ، إذ الاستيفاء منها والجعل بمقابلة إحياء المالية فيكون عليه ، والرد في حياة الراهن وبعده سواء ، لأن الرهن لا يبطل بالموت ، وهذا إذا كانت قيمته مثل الدين أو أقل منه ، فإن كانت أكثر فبقدر الدين عليه والباقي على الراهن لأن حقه بالقدر المضمون فصار كثمن الدواء [ ص: 140 ] وتخليصه عن الجناية بالفداء ، وإن كان مديونا فعلى المولى إن اختار قضاء الدين ، وإن بيع بدئ بالجعل والباقي للغرماء لأنه مؤنة الملك والملك فيه كالموقوف فتجب على من يستقر له ، وإن كان جانيا فعلى المولى إن اختار الفداء لعود المنفعة إليه ، وعلى الأولياء إن اختار الدفع لعودها إليهم ، وإن كان موهوبا فعلى الموهوب له ، وإن رجع الواهب في هبته بعد الرد لأن المنفعة للواهب ما حصلت بالرد بل بترك الموهوب له التصرف فيه بعد الرد ، وإن كان لصبي فالجعل في ماله لأنه مؤنة ملكه ، [ ص: 141 ] وإن رده وصيه فلا جعل له لأنه هو الذي يتولى الرد فيه .

التالي السابق


( قوله وإن كان الآبق رهنا فالجعل على المرتهن ) لأن بالرد حييت ماليته وماليته حق المرتهن لأن الاستيفاء منها والجعل على من حييت له المالية ، ألا ترى أن بالإباق سقط دين المرتهن كما بالموت ، وبالعود عاد الدين وتعلق حقه بالرهن استيفاء من ماليته كما لو ماتت الشاة المرهونة فدبغ جلدها فإن الدين يعود به ( والرد في حياة الراهن وموته سواء لأن الراهن لا يبطل بالموت ، وهذا ) أي كون الجعل على المرتهن ( إذا كان قيمة العبد مثل الدين أو أقل ، فإن كانت أكثر من الدين ) قسم الجعل على الراهن والمرتهن ، فما أصاب الدين على المرتهن وما بقي على الراهن ; مثلا الدين ثلاثمائة وقيمة الرهن أربعمائة يكون على المرتهن ثلاثون وعلى الراهن عشرة ، وصار الجعل [ ص: 140 ] كثمن دواء الرهن وتخليصه من الجناية بالفداء إن كان الدين أكثر من قيمته انقسم انقساما عليهما كذلك .

( قوله وإن كان مديونا ) أي إن كان العبد الآبق مديونا بأن كان مأذونا فلحقه في التجارة دين أو أتلف مال الغير واعترف به المولى فالجعل على من يستقر الملك له لأنه مؤنة الملك ، والملك في العبد بعد مباشرته سبب الدين كالموقوف ، إن اختار المولى قضاء دينه كان الجعل عليه لأن الملك استقر له ، وإن اختار بيعه في الدين كان الجعل في الثمن يبدأ به قبل الدين لما قلنا إنه مؤنة الملك والباقي للغرماء ، فظهر أن قول المصنف ( فيجب ) أي الجعل على من يستقر له الملك تجوز فإنه لا يجب على المشتري ، وكأنه جعل ملك ثمنه بمنزلة ملكه ( وإن كان ) أي العبد ( جانيا ) أي جنى خطأ فلم يدفعه مولاه ولم يفده حتى أبق فرده من مسيرة ثلاثة أيام فهو على القياس يكون الجعل على من سيصير له إن اختار المولى فداءه فهو عليه لعود منفعته إليه ، فإن اختار الدفع إلى أولياء الجناية فعليهم لعودها إليهم ، ولو كان قتل عمدا فأبق ثم رد لا جعل على أحد ، أما المولى فلأنه إن قتل لم يحصل له بالرد منفعة ، وإن عفا عنه فإنما حصلت بالعفو .

وأما ولي القصاص فإن قتل فالحاصل له التشفي لا المالية ، وإن عفا فظاهر ( وإن كان موهوبا ) فإن أبق ممن وهب له ثم رد ( ف ) الجعل ( على الموهوب له ) سواء رجع الواهب في هبته بعد الرد أو لا ، أما إذا لم يرجع فظاهر ، وأما إن رجع بعد المجيء فلأنه وإن حصلت له المالية لكن لم تحصل بالرد بل بترك الموهوب له التصرف في العبد بعد رده مما يمنع رجوعه من بيعه وهبته وغير ذلك . وأورد عليه أنه حصل بالمجموع من ذلك ، ومن الرد . أجيب بأن الترك آخر جزأي العلة وإليها يضاف الحكم .

وأما الجواب بأنه إذا ثبت بالكل لا يكون بالرد وحده فلا يدفع الوارد على المصنف بل يقرره ( وإن كان ) الآبق ( لصبي فالجعل في ماله ) لما تقدم ( أنه مؤنة ملكه ، [ ص: 141 ] وإن رد وصيه فلا جعل له ) وقد بيناه في التقسيم ، وكذا اليتيم يعوله رجل فرد آبقا له ، لأنه إذا كان تبرع له بمؤنته من مال نفسه فكيف لا يتبرع له بما هو دونه مع أن العرف فيه التبرع .

وفي الكافي للحاكم : أبقت أمة ولها ولد رضيع فردهما رجل له جعل واحد ، فإن كان ابنها قارب الحلم فله ثمانون لأن من لم يراهق لم يعتبر آبقا .

وفي الذخيرة والمحيط : لو أخذ آبقا فغصبه منه آخر وجاء به إلى مولاه وأخذ جعله ثم جاء آخر وأقام بينة أنه أخذه يأخذ الجعل منه ثانيا ويرجع السيد على الغاصب بما دفع إليه ، ولو جاء بالآبق من مسيرة سفر فلما دخل البلد أبق من الأخذ فوجده آخر فرده إلى سيده ، إن جاء به من مدة السفر فالجعل له ، وإن وجده لأقل فجاء به لا جعل لواحد منهما . وفي المبسوط : لا جعل للسلطان والشحنة أو الخفير في رد الآبق والمال من قطاع الطريق لوجوب الفعل عليهم ، والأولى أن يقال : لأخذهم العطاء على ذلك ونصبهم له .




الخدمات العلمية