الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                        صفحة جزء
                                                        5074 - حدثنا حسين بن نصر ، قال : ثنا عبد الرحمن بن زياد ، قال : ثنا شعبة ، عن منصور ، عن إبراهيم ، عن عبيد بن نضلة ، عن المغيرة بن شعبة ، أن رجلا كانت له امرأتان ، فضربت إحداهما الأخرى بعمود فسطاط ، أو بحجر ، فأسقطت .

                                                        فرفع ذلك إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال الذي يخاصم : كيف يعقل ، أو كيف يودى من لا صاح فاستهل ولا شرب ولا أكل ؟

                                                        [ ص: 206 ] فقال النبي صلى الله عليه وسلم : أسجع كسجع الأعراب ، فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه غرة ، فجعله على قومها
                                                        .

                                                        قال أبو جعفر : فذهب قوم إلى أن الغرة الواجبة في الجنين ، إنما تجب لأم الجنين ؛ لأن الجنين لم يعلم أنه كان حيا في وقت وقوع الضربة بأمه .

                                                        وخالفهم في ذلك آخرون ، فقالوا : بل تلك الغرة المحكوم بها للجنين ، ثم يرثها من كان يرثه لو كان حيا .

                                                        وكان من الحجة لهم في ذلك ، ما قد ذكرناه في هذه الآثار ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما قضى على المحكوم عليه بالغرة قال : كيف يعقل من لا أكل ولا شرب ولا نطق ؟

                                                        فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : فيه غرة : عبد أو أمة ، ولم يقل للذي سجع ذلك السجع : " إنما حكمت بهذا للجناية على المرأة لا في الجنين " .

                                                        وقد دل على ذلك أيضا ما رويناه فيما تقدم في هذا الكتاب ، أن المضروبة ماتت بعد ذلك من الضربة ، فقضى رسول الله صلى الله عليه وسلم فيها بالدية مع قضائه بالغرة .

                                                        فلو كانت الغرة للمرأة المقتولة ، إذا لما قضى لها بالغرة ، ولكان حكمها حكم امرأة ضربتها امرأة ، فماتت من ضربها ، فعليها ديتها ، ولا يجب عليها للضربة أرش .

                                                        فلما حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم مع دية المرأة بالغرة ثبت بذلك أن الغرة دية للجنين لا لها ، فهي موروثة عن الجنين ، كما يورث ماله له لو كان حيا ، فمات اتباعا لما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم .

                                                        وهذا قول أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد رحمة الله عليهم أجمعين .

                                                        التالي السابق


                                                        الخدمات العلمية