الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                          صفحة جزء
                                                                          ( وتحرم مطالبة ذي عسرة بما عجز عنه وملازمته والحجر عليه ) لقوله تعالى : { وإن كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة } { ولقوله صلى الله عليه وسلم لغرماء الذي كثر دينه : خذوا ما وجدتم وليس لكم إلا ذلك } وإذا ادعاها ) المدين أي العسرة ولم يصدقه رب الدين ( ودينه عن عوض كثمن ) مبيع ( و ) بدل ( قرض ) حبس ( أو عرف له مال سابق والغالب بقاؤه ) حبس .

                                                                          ولو كان دينه عن غير عوض ( أو ) كان دينه ( عن غير عوض ) مالي كعوض خلع وصداق وضمان ( و ) كان المدين ( أقر أنه مليء حبس ) ; لأن الأصل بقاء المال ومؤاخذة له بإقراره ( إلا أن يقيم ) مدين ( بينة به ) أي بإعساره .

                                                                          ( ويعتبر فيها ) أي البينة الشاهدة بإعساره ( أن تخبر باطن حاله ) ; لأن الإعسار من الأمور الباطنة التي لا يطلع عليها في الغالب إلا المخالط له وهذه الشهادة وإن كانت تتضمن النفي فهي تثبت حالة تظهر وتقف عليها المشاهدة بخلاف ما لو شهدت أنه لا حق له فإنه مما لا يوقف عليه . ( ولا يحلف ) المدين ( معها ) أي مع البينة الشاهدة بإعساره لما فيه من تكذيب البينة ( أو ) إلا أن ( يدعي تلفا ) لماله ( ونحوه ) أي التلف كنفاد ماله في نفقة أو غيرها [ ص: 159 ] ( ويقيم بينة به ) أي بالتلف ونحوه ولا يعتبر فيها أن تخبر باطن حاله ; لأن التلف والنفاد يطلع عليه من خبر باطن حاله وغيره .

                                                                          ( ويحلف ) المدين ( معها ) أي البينة الشاهدة بتلف ماله ونحوه إن طلب رب الحق يمينه ; لأن اليمين على أمر محتمل غير ما شهدت به البينة ( ويكفي في الحالين أن تشهد بالتلف أو الإعسار ) يعني يكفي في الإعسار أن تشهد به وفي التلف أن تشهد به فلا يعتبر الجمع بينهما ( وتسمع ) بينة الإعسار أو التلف ونحوه ( قبل حبس ك ) ما تسمع ( بعده ) أي الحبس ولو بيوم ; لأن كل بينة جاز سماعها بعد مدة جاز سماعها في الحال وإن سأل مدع حاكما تفتيش مدين مدعيا أن المال معه لزمه إجابته ذكر في الإقناع ( أو ) إلا أن ( يسأل ) مدين ( سؤال مدع ) عن حاله ( ويصدقه ) مدع على عسرته ( فلا ) يحبس في المسائل الثلاث وهي ما إذا أقام بينة بعسرته أو تلف ماله ونحوه أو صدقه مدع على ذلك .

                                                                          ( وإن أنكر ) مدع عسرته ( وأقام بينة بقدرته ) أي المدين على الوفاء ليسقط عنه اليمين حبس ( أو حلف ) مدع ( بحسب جوابه ) للمدين كسائر الدعاوى ( حبس ) المدين حتى يبرأ أو تظهر عسرته ( وإلا ) أي وإن لم يكن دينه عن عوض كصداق ولم يعرف له مال الأصل بقاؤه ولم يقر أنه مليء ولم يحلف مدع طلب يمينه أنه لا يعلم عسرته ( حلف مدين ) أنه لا مال له . ( وخلى ) سبيله ; لأن الحبس عقوبة ولا يعلم له ذنب يعاقب به ولا يجب الحبس بمكان معين بل المقصود تعويقه عن التصرف حتى يؤدي ما عليه ولو في دار نفسه بحيث لا يمكن من الخروج وفي الاختيارات : ليس له إثبات إعساره عند غير من حبسه بلا إذنه .

                                                                          ( وليس على محبوس قبوله ما يبذله غريمه ) له ( مما عليه منة فيه ) كغير المحبوس وإن قامت بينة بمعين لمدين فأنكر ولم يقر به لأحد أو أقر به لزيد مثلا فكذبه قضى منه دينه وإن صدقه زيد أخذه بيمينه ، ولا يثبت الملك للمدين ; لأنه لا يدعيه قال في الفروع : وظاهر هذا أن البينة هنا لا يعتبر لها تقدم دعوى وإن كان له بينة قدمت لإقرار رب الدين وإن أقر به الغائب ، فقال ابن نصر الله : الظاهر أنه يقضي منه ; لأن قيام البينة به له فكذبه في إقراره مع أنه متهم فيه ( وحرم إنكار معسر وحلفه ) لا حق عليه ( ولو تأول ) نصا لظلمه رب الدين فلا ينفعه التأويل .

                                                                          وفي الإنصاف : لو قيل بجوازه إذا تحقق ظلم رب الحق له وحبسه ومنعه من القيام على عياله لكان له وجه [ ص: 160 ] انتهى .

                                                                          التالي السابق


                                                                          الخدمات العلمية