الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                وفي التفريع : ثلاث وعشرون مسألة .

                                                                                                                المسألة الأولــى : عدم قبول ظاهر عدالتهم حتى يسأل عنهم في السر . ويكتفى بتزكية السر والعلانية ، ولا تقبل التزكية إلا من مقبول الشهادة ، ويزكى الشاهد وهو غائب ; لأن المقصود الإطلاع على حاله [ . . . ] من الناس من لا يسأل عنه لشهرة عدالته عند القاضي والناس ، قال صاحب المقدمات : يشترط في قبول الشهادة خمسة أوصاف : البلوغ ، الوازع ، التكليف ، والعقل ; لأن عدمه ينافي التكليف ، والحرية ; لأن شرف الرتبة تمنع أن يخل فيه ناقص بالعبودية ، والإسلام لأن نقصه بالكفر يشر ، والعدالة وهي أن يكون الشاهد يجتنب الكبائر ويتوقى الصغائر ، قال : ومن شرطه أيضا اليقظة والتحرز ; لأن المغفل لا يؤمن عليه التحيل من أهل التحيل ، واختلف في اشتراطه عدم الحجر : فعن مالك : عدم الاشتراط ; لأن السفه استهزاء بالمال ، والشهادة معتمدها : ضبط الدين فلا ينافي ، واشترطه أشهب ; لأن السفه إضاعة المال ، وهي حرام ، فهو يخل بدينه ، وبالغ أشهب فقال : ولو كان لو طلب ماله أعطيه ، ومنع محمد شهادة البكر حتى تعنس . وفي الجواهر : الذي تقبل شهادته : المجتنب للكبائر ، المتقي للصغائر ، ذو مروءة وتمييز ، مستيقظ متوسط الحال بين البغض والمحبة ، والاعتدال في الأحوال الدينية هو العدالة ، بأن يكون ظاهر الأمانة ، بعيدا من الريب ، مأمونا في الرضا والغضب ، قال : قال بعض علمائنا : وليست العدالة أن يمحض الطاعة حتى لا تشوبها معصية لتعذره ، لكن من كانت الطاعة أكثر حاله وهو مجتنب الكبائر ، يحافظ على ترك الصغائر ، يستعمل المروءة التي تليق بمثله في دينه ودنياه ، فكل من صدر منه تعد أدى لسقوط الدين والمروءة فهو قادح في [ ص: 202 ] شهادته ، قال القاضي أبو بكر : ضابط المروءة : أن لا يأتي بما يعتذر منه مما لا ينحيه عن مرتبته عند أهل الفضل ، قال ابن محرز : وليس المراد بالمروءة نظافة الثوب ، وفراهة المركوب ، وجودة الآلة والشارة ، ولكن التصون والسمت الحسن وحفظ اللسان ، وتجنب السخف والمجون ، والارتفاع عن كل خلق رديء يرى أن من تخلق به لا يحافظ معه على دينه ، وإن لم يكن في نفسه جرحة ، ورأى بعض الناس أن شهادة البخيل لا تقبل ; لأن احتياط البخل يؤديه إلى منع الحقوق ، وأخذ ما ليس بحق ، ولا ترد شهادة أرباب الحرف الدنية ، كالكناس ، والدباغ ، والحجام ، والحائك ، إلا أن يكون يفعل ذلك اختيارا ممن لا يليق به ، فإنه يدل على خبل في العقل ، وقلة المروءة ، قال القاضي أبو الوليد : ويشترط فيمن اجتمع فيه هذان الوصفان : العلم بتحمل الشهادة ، إذ لا يؤمن الغلط على الجاهل بشرط ذلك ، والتحري ليؤمن عليه التحيل من أهل التحيل ، فإن الفاضل الخير الضعيف لا يؤمن عليه التلبس ، فلا تقبل شهادته للإمام خوفا من ذلك ، قال صاحب المقدمات : أجاز ابن حبيب شهادة المجهول على الموسم فيما يقع بين المسافرين في السفر ، قياسا على الصبيان في الجراح ، وقيل : تجوز في اليسير استحسانا .

                                                                                                                تنبيه : قال صاحب المقدمات : مراتب الشهود : إحدى عشرة ، كل مرتبة لها حكم يخصها : الشاهد المبرز في العدالة ، القائم بما تصح به الشهادة ، يقبل في كل شيء ويزكى ويجرح إن سئل عن كيفية ذلك إذا أبهم ، ولا يقبل فيه التجريح إلا بالعداوة ، وقيل : ولا بالعداوة لتمكن [ . . . ] وكذلك المبرز غير العالم بما [ ص: 203 ] تصح الشهادة ، غير أنه يسأل عن كيفية علمه بما شهد به إذا [ . . . ] ، وغير المبرز المعروف بالعدالة ، العالم بما تصح فيه الشهادة ، تجوز إلا في ستة مواضع على اختلاف التزكية ، ولأخيه ولمولاه ولصديقه الملاطف وشريكه في غير التجارة ، وإذا زاد في شهادته أو نقص ، ويقبل فيه الجرح بالعداوة وغيرها ، ولا يسأل عن كيفية علمه إذا أبهم ، وكذلك المعروف بالعدالة غير العالم بما تصح فيه الشهادة ، إلا أنه يسأل عن كيفية علمه إذا أبهم ، والشاهد المعروف بالعدالة إذا قذف قبل أن يحد منع مالك و ( ش ) شهـادته لتحقق الجريمة ، وأجازها ابن القاسم - وهو مشهور - لاحتمال بطلان الجريمة قبل الحد . ومن تتوسم فيه العدالة تجوز بغير تزكية فيما يقع بين المسافرين في السفر من المعاملات فقط عن ابن حبيب ، ومن لا تتوسم فيه العدالة ولا الجرحة فلا بد من تزكيته ، وشهادته شبهة عند بعض العلماء في بعض المواضع ، فتوجب اليمين والقسامة والحميل وتوقيف المدعي به ، ومن تتوسم فيه الجرحة ، فلا بد من تزكيته ، وليست شهادته شبهة توجب حكما ، ومن ثبتت جرحته قديمة أو يعلمها الحاكم به ، لا يقبل إلا بتزكيته ممن علم جرحته تلك ; لأن الجاهل بها قد يزكيه معها فيشهد على توبة وصلاح حاله منها ، وكذلك المحدود في القذف عند مالك ، ومن هو مقيم على الجـرحة مشهور بها ، لا تقبل تزكيته في تلك الحال حتى يتوب وتحسن حاله ; لأن تزكيته حينئذ كذب ، وشاهد الزور لا يقبل أبدا وإن تاب وحسنت حاله ، وعن ابن القاسم : الجواز إذا عرفت توبته بتمكن حـاله في الصـلاح ، قال ابن القاسم : ولا أعلمه إلا قول مالك ، فقيل : اختلاف ، وقيل : معنى الثاني : إذا جاء تائبا مقرا على نفسه بشهادة الزور قبل أن يظهر عليه ، قال وهو الأظهر .

                                                                                                                نظــائر : قال ابن بشير في نظـائره : ستة لا يقبل فيها إلا العدل المبرز : التعديل ، [ ص: 204 ] والشهادة للأخ وللمـولى وللصديق الملاطف ، والتزكية في غير الزيادة ، وإذا زاد في شهادته أو نقص .

                                                                                                                فــائدة : في التنبيهات : المبرز بكسر الراء المهملة مأخوذ من السابق في حلبة خيل السباق ، أي برز وسبق أمثاله في العدالة .

                                                                                                                فـرع

                                                                                                                قال ابن يونس : إن ارتضى القاضي رجلا للكشف قبل منه ، ينقل إليه عن رجلين للأقل من ذلك ، فإن جاءه تزكية رجل من رجل ثقة عنده ، وأتاه آخر ثقة عنده أنه غير عدل أعاد المسألة ، قال سحنون : ولا يأخذ بقول واحد في الفساد ، قال أشهب : ولا ينبغي للكاشف أن يقتصر على اثنين بل ثلاثة فأكثر ، خيفة أن يكونوا أهل وده ، أو أهل عداوته ، وينبغي أن يسأل في مساكن الناس وأعمالهم ، ولا يعرف المسئول ، ولا يصغ القاضي أذنه للنـاس ، ولكـن يكشف عن المقول فيه ، قال عبد الملك : وكل ما يبتدئ القاضي السؤال عنه قبل فيه الواحد لأنه رواية ، وما ابتدأ به غيره فلا بد من اثنين لأنه من باب الشهادة .

                                                                                                                فـرع

                                                                                                                قال ابن يونس : ولا يجزئ في التعديل إلا قول معدل عدلا مرضيا لقوله تعالى ( ذوي عدل ) وقوله تعالى ( ممن ترضون من الشهداء ) فنص على الوصفين ، قال مالك : ويقبل في التجريح : لا أراه عدلا ولا أصحابه عدلا ، قال سحنون ، يكفي في التعديل : هو عندي من أهل العدالة ، جائز الشهادة ، أو [ ص: 205 ] عدل ، ولا يزيد على ذلك ، ولا يكفي في التعديل ولا التجريح : سمعنا فلانا وفلانا يقول : إن فلانا عدل ، أو غير عدل ; لأنها شهادة على السماع ، إلا أن يكون القائل أشهدهم على التزكية ، وفي النوادر : قال سحنون : إذا قال : البينة المجرحة تشهد أن هذه البينة شهدت في هذه القضية بزور ، ليست جرحة لأن حاصله أنها تعارضها في هذه الشهادة ، قال عبد الملك : يقبل التجريح المجمل من غير بيان في ظاهر العدالة وغيره ، وقال أشهب : لا يقبل في شهود العدالة إلا التجريح المفصل ، وإذا جرحه رجلان كل واحد بكبيرة ضمت الشهادتان لاجتماعهما على أنه رجل سوء ، قاله ابن سحنون ، وعنه : لا بد من الاجتماع على معنى واحد ، أو ما هو في معناه ، نحو : جائر ، وآكل مال اليتامى ، وقال ابن حنبل : يكتفى بقوله : عدل ; لأن كل عدل مرضي الشهادة ، وقال ( ش ) : لا بد أن يقول : عدل علي ولي ، ولا يشترط : رضا ; لأن قوله : عدل ، قد يكون عدلا في بعض الأشياء أو عند بعض النـاس ، فقـوله : علي ولي ، يقتضي نفي العداوة ، ولي ، يقتضي نفي الصداقة المانعة من الشهادة لهن ، فثبتت العدالة سالمة عن المانع .

                                                                                                                والجواب عما قاله أحمد : لا نسلم أن العدل مرضي الشهادة ; لاحتمال أن يكون عدلا في دينه دون مروءته وتعلقه وفرط حميته ، فإذا قال : رضى ، حصل الجميع ، وعن كلام ( ش ) : لا نسلم أن : علي ولي ، يقتضي العدالة على الإطلاق ; لأنه لو قال : عدل علي ولي في الأموال ، أو في الأشياء المحتقرة ، لم يكن مناقضا لقوله ; لأنه لم يقل : علي ولي ، في كل شيء ، ولا عند جميع العلماء . بل هذه العبارة تقتضي عدم التعميم ; لأن مفهومها أنه ليس عدلا على غيره ، ولا لغيره ; لأنه خصص بنفسه ، والتخصيص يقتضي سبب الحكم في غير محله ، ثم في هذا الشرط مفسدة عظيمة ، وهو أن العدل المتفق على عدالته ذكر ( كذا ) يقبل لهذا لفرط القرابة أو المحبة الموجبة للتهمة والريبة ، وإن كان مقبولا لغيره اتفاقا ، ولا [ ص: 206 ] يقبل عليه لفرط عداوة ، ويقبل على غيره ، فإذا لم يقبل من المزكي إلا هذه العبارة امتنع تزكية العدو لعدوه ، وفي ذلك سد باب المعروف والإعانة على تخليص الحقوق ، أو يزكيه فيكذب في قوله : عدل علي ; لأنه لا يقبل عليه ، إنه عبارة الملكية فتقتضي أنه عدل في نفس الأمر ، وهذا صادق وإن كان عدوه وهو مقصود الحاكم ، وليس مقصود الحاكم أنه يقبله على المزكي أوله ، بل ثبوت العدالة في نفس الأمر بمحل ( كذا ) المزكي فيقبله ويعتمد عليه حتى يقوم مانع من عداوة أو غيرها ، قال ابن يونس : قال عبد الملك : لا يجزئ تعديل العلانية دون تعديل السر ; لأن الناس قد يستحيون أو يخافون ، ويجتزئ بالسر لأنه لا ريب فيه ، ولا يزكي إلا المبرز النافذ الفطن الذي لا يخدع في عقله ، ولا يسترذل في رأيه . قال سحنون : قوله : يزكى الغائب ، معناه : إذا كان الشاهد مشهورا معروفا وإلا فلا يزكى إلا بمحضره ، وقيل : معناه : غـائب عن مجلس ، حـاضر في البلد ، أو قريب الغيبة ، وأما بعيدها فيزكى كما يقضى عليه ، وقال ابن أبي زيد ، قال اللخمي : المشهور بالعدالة لا يحتاج لتزكية ، وقد إنك صاحب هذا الاسم ، يريد أن لا يحتاج إلى تزكية ، واختلف إذا سأل القاضي من حضر ، أو سأل من كاشفه ، فقيل : لا بد من اثنين ; لأنها شهادة ، قال : وهو أحسن لقلة الوثوق اليوم بالناس ، وقيل : يكفي الواحد لأنه من باب الخبر ، وقد تقدم ضابط الشهادة والرواية ، وإذا ثبتت العدالة باثنين فحسن أن يزيد الكشف فلا يزيده إلا خيرا ، فإن ارتاب وقف وكشف ، ولا يقبل التعديل بيسير المخالطة بخلاف الجرح ; لأنه يقين ، والأول ظن ، قال سحنون : لا يزكى إلا المخالط في الأخذ والعطاء ، الطويل الصحبة في السفر والحضر ، واختلف إذا اقتصر على عدل ، أو رضى هل يكون تعديلا أم لا ؟ لأن العدل رضى ، والمرضي عدل ، وقد ورد القرآن بقبول شهادة من اتصف بإحداهما ، فلو وصفه بإحداهما فسئل عن الأخرى [ ص: 207 ] فوقف فهو ريبة ، وسئل عن سبب وقوفه فقد يكره ما لا يقدح في العدالة ، وإن لم يسئل فهو عدل . وفي الموازية : إذا قال : اختبرته ، أو عاملته فما علمت إلا خيرا ، أو أنه لرجل صالح فاضل ، فهو ثقة ، لا يكون ذلك تزكية حتى يقول : عدل ، أو أراه عدلا ، قال اللخمي : إذا كان يعلم وجه العدالة ، وعلم أن السؤال لتمضى شهادته ، فذلك تعديل خلافا لـ ( ش ) ، وقد خرج البخاري في باب العدالة قول من يريده أعلم إلا خيرا ، غير أن العدول اليوم عن عدل رضى ريبة ، ويزكي أهل سوقه ومحلته وجيرانه ، ولا يقبل من غيره ; لأن وقوفهم عن تعديله مع أنهم أعلم به ريبة ، فإن لم يكن فيهم عدل قبل غيرهم من بلده ، قاله ابن يونس ، قال سحنون : إن عدل الرجل من لا يعرف اسمه قبل تعديله فإن الصفات قد تعلم مع الجهل بالاسم والتزكية على المشهود له دون الشاهد ، وإنما على الشاهد أن يخبر المشهود له بمن يعرفه ومن يعدله ، قال مالك : لا يقـدح في العدالة الأمر الخفيف من الزلة والغيبة ولا يسلم من ذلك .

                                                                                                                فـرع

                                                                                                                قال : قال سحنون : إذا عدل ثم شهد اثنان أنه رده القاضي لأمر تبين له ، والقاضي لا يحفظ ذلك ، قبل شهادتهما .

                                                                                                                فـرع

                                                                                                                في المنتقى : تزكية اثنين في كل شيء إلا في الزنا ، فنص مالك : لا يعدل كل واحد إلا أربعة قياسا على الأصل ، وجوز عبد الملك اثنين عن كل واحد ، وأربعة لجميعهم قياسا على الإحصان ، واختلف في عدد تزكية السر : فعن مالك : يكفي الواحد لأنه في معاني أصحاب المسائل ، وعنه : لا بد من اثنين قياسا على الجهر .

                                                                                                                [ ص: 208 ] فـرع

                                                                                                                قال اللخمي : إذا ثبتت شهادته ثم شهد مرة أخرى ، فإن ظهر للقاضي فضله وبروزه لم تعد التزكية ، إلا أن يطول الزمان فيسأل عنه لإمكان حدوث العيب ، وإلا كلف التعديل ثانية ، قاله ابن كنانة ، وقال سحنون : يكلفه كلما شهد حتى يكثر تعديله وتشهر تزكيته ، فلا يكلف بعد ذلك ، وقال عبد الملك : ليس عليه إذا شهد بعد سنة إعادة التزكية ; لأن الأصل بقاؤها إلا أن يظن فيها أو يرتاب .

                                                                                                                فـرع

                                                                                                                قال : يسمع الجرح في المتوسط مطلقا ، وفي المبرز بالعداوة أو الهجرة أو القرابة ونحو ذلك ، واختلف في الإسفاه ومن هو الذي يجرحه ؟ على أربعة أقوال : قال سحنون ، لا يقبل إلا من المبرز ، قال مطرف : يجرح الشاهد مثله أو أعلى منه دون من هو دونه إلا بالعداوة والهجرة دون الإسفاه ، وقال مما يثبت بالكشف ، وقال : مطرف : تقبل جرحته ممن هو دونه بالإسفاه والعدواة ، قال : وهو أحسن ; لأن الجرح مما يكتم ، فقد لا يطلع عليه إلا من هو دونه ، وهي شهادة ، فقيل : كسائر الشهادات ، وسئل عن الجرحة فقيل : ( كذا ) ما لا يخفى عن الناس لم يقبل فيه منفردا ، وإن كان يخفى مثله قبل ، قال : والأحسن : التجريح سرا ليسلم الشاهد من الأذى ، ومن حق الشاهد والمشهود له أن يعلما بالمجرح ، فقد يكون بينه وبينه عداوة ، أو بينه وبين المشهود له قرابة أو غيرها مما يمنع الشهادة بالجرح ، ويختلف إذا كان الشاهد أو المشهود ممن يخاف ، هل يسمى المجرح أم لا ؟ قال سحنون : يسمى ثم يوقف ، وجوز ابن القاسم عدم التسمية ، والأول أحسن ، لفساد القضاة اليوم .

                                                                                                                [ ص: 209 ] فـرع

                                                                                                                قال في قبول الجرح مجملا من غير بيان : أربعة أقوال : قال مطرف : يكتفى من العالم بالمجمل ، وقال أشهب : لا بد من التفصيل في المجروح المشهور بالعدالة ، وإلا قبل الإجمال ، وقال ابن كنانة : لا يسأل المجرح المبرز وإلا سئل ، وقال سحنون : يكفي المجمل مطلقا ، والأحسن : البيان إذا لم يفهم ; لأن الجرح قد يختلف العلماء فيه هل هو جرحة أم لا ؟ كترك التدلك في الغسل ونحوه من المسائل المختلف فيها ، وقد يكون للمجروح تأويل قبل ، أو يكون في ذلك حق للمجروح كانتهاك عرضه ، فلا يقبل .

                                                                                                                فـرع

                                                                                                                قال : فإن عدله اثنان ، وجرحه اثنان ، قيل : يقضى بأعدلهما لأنه شأن التعارض ، وقيل يقدم الجرح ، وقال : وللاختلاف ثلاثة أحوال : إن اختلفا عن مجلس واحد فقالت إحداهما : فعل كذا وقت كذا ، في موضع كذا ، وقالت الأخرى : لم يفعله ، قضي بالأعدل لأنه تكاذب ، أو عن مجلسين متقاربين ، قدم الجرح مما يخفيه صاحبه ، أو متباعدين قدم الأخير لأنه ناسخ إلا أن يعلم أنه في وقت الجرح كان حسن الظاهر كما هو الآن فيقدم الجرح .

                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                الخدمات العلمية