الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                ( الفصل الثاني )

                                                                                                                ( في الزيادة )

                                                                                                                وفي الكتاب : إذا كبرت الصغيرة فأنهدت فعلت قيمتها ثم ماتت ، فإنما عليه قيمة يوم الغصب ، لأنه يوم تحقق السبب وهو الأخذ ، وكما لو نقصت لانتقص القيمة ، قال ابن يونس : كما لو جرح عبدا قيمته مائة فيموت وقيمته ألف ، يضمن مائة ، والأمة تطلق أو يموت زوجها ، ثم تعتق ، لا تنتقل لعدة الوفاة ، والسرقة تعتبر قيمتها يوم السرقة لا يوم القطع .

                                                                                                                فرع

                                                                                                                في الكتاب : لا يضمن ما مات عنده من الولد إلا أن يقتله ، لأنه أمانة [ ص: 10 ] شرعية ، كالثوب تلقيه الريح في داره ، قال ابن يونس : قيل : إذا اشتراها صغيرة فكبرت لم يضمن ، لأنه خير مما غصبت ، فإن نقصت بكبر ثديها أو شبهه ضمن . قال بعض الفقهاء : انظر كيف لم يجبر النقص بالنماء ، لأنه لما كان له أخذها بنمائها بغير غرم ، فكأنه غصبها كذلك فيضمن نقصها ، وعلى هذا كان يجب عليه قيمتها يوم القتل ، وهو مذهب ( ش ) لأنه يراه غاصبا في كل وقت .

                                                                                                                فرع

                                                                                                                في الكتاب : إذا صبغه خيرت في القيمة يوم الغصب لتغير المغصوب أو إعطاء قيمة الصبغ وأخذ الثوب ، لأنه مالك ، والصبغ ماله فينتفي الضرر ، ولا يشتركان نفيا لضرر الشركة . ولو طحن الحنطة ضمن مثلها لتغيرها . وفي التنبيهات عن مالك : لا يخير في الصبغ بل قيمة الثوب ، ويلزم على قوله بالتخيير أن يخير في الحنطة يطحنها ، وفي السويق يلته ، وفي الخشبة يعملها مصراعين ، وفي الفضة يصوغها ، مع أنه إنما أفتى بالمثل فقط ، وقاله ابن لبابة . وابن القاسم يقول : لو أجزت له أخذ ذلك ودفع ثمن العمل كان من التفاضل في الطعام والفضة ، وهو لا يلزم لأن الطعام طعامه والفضة فضته ، وقال أشهب : يأخذ شيئه ولا غرم عليه في العمل من طحين وصبغ ، ويتأكد المشهور بأنه عين ماله فله أخذه ، ولأنه لو لم يأخذه لوصل أرباب الأغراض الفاسدة لأموال الناس بتغيرها ، ويعطون القيمة بغير اختيار أربابها . قال ( ح ) : لو طحن الحنطة ملكها وضمن مثلها ، وكذلك الغزل ينسج والدقيق يخبز والقطن يغزل ، قال : والضابط : متى زال الاسم وعامة المنافع بزيادة من جهته ملك العين ، ( لأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أضافه قوم من الأنصار فقدموا إليه شاة مصلية فأخذ منها

                                                                                                                [ ص: 11 ] لقيمة فمضغها فلم يسغها ، فقال : أما إن هذه الشاة لتخبرني إنما ذبحت بغير حق ، فقال الرجل : هذه شاة أخي ، ولو كان أعظم منها لم ينفس علي وسأرضيه بخير منها ، فأمر النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يتصدق بها على الأسرى
                                                                                                                ) ولولا زوال الملك عنها لأمر ببيعها وحفظ ثمنها ، وهو خبر صحيح ، قال : ولك أخذ المغسول والمقصور بغير شيء ، لأنه لم يبق في المقصور عين للغاصب . ولو بيض الدار أعطيت قيمه الجير أو ما زاد التجصيص إلا أن يرضى بأخذ جصه ، قال : وإذا صبغه وزاد الصبغ خيرت في قيمة الثوب للتغير وأخذه ؛ لأنه عين مالك ، ودفع قيمة ما زاد حفظا لمال الغاصب عليه وبين تركه على حاله ، ويكون الصبغ للغاصب ، فإذا بيع قسم الثمن ، وإن نقصه الصبغ خيرت بين القيمة للنقص وأخذه بغير شيء ؛ لأنه عين مالك ، ولا مالية فيه للغاصب . وقال ( ش ) : إن عسر انفكاك الصبغ فأنتما شريكان ، لأن الصبغ عين ، وهذا إذا كان الثوب يساوي عشرة ، وبعد الصبغ يساوي عشرين ، فإن لم يساو إلا عشرة سقط الصبغ ، وأخذت الثوب بغير شيء ، أو أقل من عشرة أخذته مع الأرش ، وإن كان ممكن الانفصال فله أخذه ، ويجبره المالك على ذلك ، وإن نقص الثوب فالأرش ، وقال ابن حنبل : إن كان يساوي عشرة وبعد الصبغ عشرين فأنتما شريكان ، أو ثلاثين لزيادة سعر الثوب ، فالزيادة لك ، أو لزيادة للصبغ ، فالزيادة له ، أو لزيادتهما فهي بينهما .

                                                                                                                تمهيد : قال التونسي عن أشهب : يأخذه مصبوغا ولا شيء عليه كالبياض والتزويق ، وما لا قيمة له بعد القلع . وضابط مذهب ابن القاسم : أن ما يوجد له أمثال إذا أحدث فيه حدثا فإن غرم مثله أعدل ، ولا يظلم أحدهما بمقاربة المثل للعين كما يقضى بالمثل في البيوع الفاسدة ، فلذلك جعل في القمح والسويق مثلها ، ولا يأخذ القيمي إلا بعد دفع ما أخرجه الغاصب من ماله ، لأن الصبغ ونحوه [ ص: 12 ] غرض آخر فلا يظلم ، وإن كان ما أخرجه الغاصب من ماله ؛ لأن الصبغ ونحوه غرض آخر فلا يظلم ، وإن كان ما أخرجه الغاصب لا عين له كالخياطة ونحوها أخذه بغير غرم كالبياض والتزويق ، وإن كان الغاصب قد غير تغييرا بعيدا حتى زال الاسم بمؤنة كثيرة كجعل الخشبة أبوابا ، فهو فوت ، وتتعين القيمة ، ولا شيء لك فيها ، ونسج الغزل يجعله كالخشبة تعمل تابوتا ، ويشبه أن يكون كخياطة الثوب ؛ لأنه لا قيمة له إذا أزيل ، قال ابن يونس : قال أشهب : لك أخذ الدقيق ولا شيء عليك في الطحن . وعن ابن القاسم : لو طحنها سويقا فلته فلك أخذ السويق ، ويباع فيشري لك من ثمنه مثل حنطتك ، ويجوز لك أخذ السويق ملتوتا في الحنطة إذا رضيتما لجواز بيع الحنطة بالسويق متفاضلا ، ولو غصب سويقا فلته امتنع التراضي لدخول التفاضل بين الطعامين . وعن أشهب : إذا طحن الحنطة ولتها سويقا ليس لك أخذها لزوال الاسم بسبب البعد ، قال اللخمي : وأرى التخيير بين تضمين القيمة يوم الصبغ ، أو يوم الغصب إن كانت القيمة يوم الصبغ أكثر ، وهو أحد قولي ابن القاسم ، وعن ابن القاسم : ليس للغاصب إلا قيمة ما زاد الصبغ ، وفي المدونة : قيمة الصبغ نفسه ، فإن نقصه الصبغ غرم ما نقص ، وقال ابن مسلمة : إن نقصه الصبغ غرم النقص ، وإن زاد لم يكن له فيه شيء إلا أن يكون إذا غسل خرج منه شيء له قيمة ، فيخير صاحبه بين إعطاء الثوب بغسله ، أو قيمة ما يخرج منه ، وعلى قول عبد الملك : لك أخذه بغير شيء ، إذا كانت النفقة في الصبغ يسيرة ، وإلا أعطاه قيمة ذلك أو ضمنه ، أو يكونان شريكين ، وقول أشهب وابن مسلمة أصوب ، لاتفاقهم في الجص والتزويق أن لا شيء له ، وإن زاد في قيمة الدار كثيرا ، فكذلك الصبغ وإن صبغه المشتري من الغاصب خيرت بين تغريم الغاصب القيمة يوم الغصب أو يوم البيع ، أو يجيز البيع ويأخذ الثمن ، لأنه

                                                                                                                [ ص: 13 ] غاصب ، وبائع فضولي ، أو يكون مقالك مع المشتري ، فإن شئت أخذته ودفعت قيمة الصبغ أو تبقى معه شريكا ، وعلى القول الآخر : ما زاد الصبغ ، قال : وهو أحسن وبه يشارك . فإن نقصه الصبغ فاختلف : هل يضمنه قيمة الثوب إذا نقله عن الغرض المراد منه ؟ وقد اختلف في مشتري العبد يقتله خطأ لأنه كالصبغ ، والقتل لم يصن ماله بخلاف اللباس والأكل ، والتضمين في كلا الوجهين أحسن . اختلف في المثلي الربوي كالذهب والقمح ، وغير الربوي كالحديد في أربعة مواضع : هل تغير الغاصب له بصبغه فوت يمنع أخذه ؟ وإذا قلنا : يأخذه ، هل يغرم للصنعة شيئا ؟ وإذا غرم فهل قيمة الصنعة أو ما زادت ؟ وإذا لم يرض أن يغرم الصنعة ولا يضمن هل يكونان شريكين ؟ وفي الموازية : إذا غصب قمحا فباعه فطحنه المشتري ، لصاحبه أخذه ولا غرم عليه للطحن ، وتركه وأخذ مثله من الغاصب أو ثمنه تنفيدا للبيع ، قال محمد : الصواب أن لا شيء له إلا الثمن من الغاصب أو المثل ، فإن كان الغاصب عديما ورجع على المشتري ، لأن غريم الغريم غريم ، خير المشتري بين إعطائك المثل أو يسلمه دقيقا ، لأنه طحن بشبهة بخلاف الغاصب ، ولا يأخذ الدقيق من المشتري إلا بدفع الأجرة بخلاف الغاصب .

                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                الخدمات العلمية