الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.
اختيار هذا الخط
الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.
[ ص: 355 ] ( وإذا nindex.php?page=treesubj&link=22992_22981اطلع المشتري على عيب في المبيع ) فهو بالخيار ، إن شاء أخذه بجميع الثمن ، وإن شاء رده لأن مطلق العقد يقتضي وصف السلامة ، فعند فوته يتخير [ ص: 356 ] كي لا يتضرر بلزوم ما لا يرضى به ، وليس له أن يمسكه ويأخذ النقصان ; لأن الأوصاف لا يقابلها شيء من الثمن في مجرد العقد ; ولأنه لم يرض بزواله عن ملكه بأقل من المسمى فيتضرر به ، ودفع الضرر عن المشتري ممكن بالرد بدون تضرره ، والمراد عيب كان عند البائع ولم يره المشتري عند البيع ولا عند القبض ; لأن ذلك رضا به . .
تقدم وجه ترتيب الخيارات والإضافة في خيار العيب إضافة الشيء إلى سببه والعيب والعيبة والعاب بمعنى واحد ، يقال عاب المتاع : أي صار ذا عيب ، وعابه زيد يتعدى ولا يتعدى فهو معيب ومعيوب أيضا على [ ص: 355 ] الأصل ، والعيب : ما تخلو عنه أصل الفطرة السليمة مما يعد به ناقصا ( قوله وإذا اطلع المشتري على عيب في المبيع ) ولم يكن شرط البراءة من كل عيب ( فهو بالخيار ، إن شاء أخذ ) ذلك المبيع ( بجميع الثمن ، وإن شاء رده ) هذا إذا لم يتمكن من إزالته بلا مشقة ، فإن تمكن فلا كإحرام الجارية فإنه بسبيل من تحليلها ونجاسة الثوب ، وينبغي حمله على ثوب لا يفسد بالغسل ولا ينتقص ، وإنما ثبت له هذا الخيار ( لأن مطلق العقد ) وهو ما لم يشرط فيه عيب ( يقتضي وصف السلامة ، فعند فواته يتخير ) بيان الأول من المنقول والمعنى .
أما المنقول فما علقه nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري حيث قال : ويذكر عن العداء بن خالد قال : { nindex.php?page=hadith&LINKID=84219كتب لي النبي صلى الله عليه وسلم : هذا ما اشترى محمد رسول الله من العداء بن خالد ، بيع المسلم من المسلم عبدا لا داء ولا خبثة ولا غائلة } ثم قال nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري : وقال nindex.php?page=showalam&ids=16815قتادة : الغائلة الزنا والسرقة والإباق .
وروى ابن شاهين في المعجم عن أبيه قال : حدثنا عبد العزيز بن معاوية القرشي قال : حدثنا عباد بن ليث قال : حدثنا عبد الحميد بن وهب أبو وهب قال : قال لي العداء بن خالد بن هوذة : { nindex.php?page=hadith&LINKID=84220ألا أقرئك كتابا كتبه لي رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قال : قلت بلى ، فأخرج لي كتابا هذا ما اشترى العداء بن خالد بن هوذة من محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم عبدا أو أمة لا داء ولا غائلة ولا خبثة بيع المسلم المسلم } ففي هذا أن المشتري العداء .
وفي الأول أنه النبي صلى الله عليه وسلم . وصحح في المغرب أن المشتري كان العداء وتعليق nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري إنما يكون صحيحا إذا لم يكن بصيغة التمريض كيذكر بل بنحو قوله ، وقال nindex.php?page=showalam&ids=32معاذ لأهل اليمن .
ففي قوله عليه الصلاة والسلام { nindex.php?page=hadith&LINKID=84221بيع المسلم المسلم } دليل على أن بيع المسلم المسلم ما كان سليما ، ويدل عليه قضاؤه عليه الصلاة والسلام بالرد فيه على ما في سنن أبي داود بسنده إلى nindex.php?page=showalam&ids=25عائشة { nindex.php?page=hadith&LINKID=84222أن رجلا ابتاع غلاما فأقام عنده ما شاء الله أن يقيم ، ثم وجد به عيبا ، فخاصمه إلى النبي صلى الله عليه وسلم فرده عليه ، فقال الرجل : يا رسول الله قد استغل غلامي ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : الخراج بالضمان } وفسر nindex.php?page=showalam&ids=14228الخطابي الداء بما يكون بالرقيق من الأدواء التي يرد بها كالجنون والجذام ونحوها ، والخبثة ما كان خبيث الأصل مثل أن يسبي من له عهد يقال هذا سبي خبثة إذا كان ممن يحرم سبيه ، وهذا سبي طيبة بوزن خيرة ضده .
ومعنى الغائلة ما يغتال حقك من حيلة وما يدلس عليك [ ص: 356 ] في المبيع من عيب ، وتفسيره للداء يوافق تفسير nindex.php?page=showalam&ids=14954أبي يوسف له .
وأما nindex.php?page=showalam&ids=11990أبو حنيفة ففسره فيما رواه الحسن عنه بالمرض في الجوف والكبد والرئة ، وفسر nindex.php?page=showalam&ids=14954أبو يوسف الغائلة بما يكون من قبيل الأفعال كالإباق والسرقة وهو قول nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري الغائلة : الخصلة التي تغول المال : أي تهلكه من إباق وغيره ، والخبثة : هو الاستحقاق ، وقيل هو الجنون ، وأما المعنى : فلأن السلامة لما كانت هي الأصل في المخلوق انصرف مطلق العقد إليها ; ولأن العادة أن القصد إلى ما هو متحقق من كل وجه ; لأن دفع الحاجة على التمام به يكون ، والناقص معدوم من وجه فلا ينصرف إليه إلا بذكره وتعيينه ، ولما كان القصد إلى السالم هو الغالب صار كالمشروط فيتخير عند فقده ( كي لا يتضرر بإلزام ما لم يرض به ) ( قوله وليس له أن يمسكه ويأخذ النقصان ) أي نقصان العيب .
وبه قال nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي خلافا nindex.php?page=showalam&ids=12251لأحمد ، لأن الخيار يثبت لدفع الضرر عن المشتري فلا يتحقق على وجه يوجب ضررا على الآخر من غير التزام له ، والبائع يلتزمه ; لأنه حين باعه بالمسمى لم يرض بزواله عن ملكه إلا به ، وإن كان معيبا ، وهذا لأن الظاهر معرفته بالعيب فأنزل عالما به لطول ممارسته له في مدة كونه في يده ، ولذا بعينه اتفق العلماء على أنه إذا باعه على أنه معيب فوجده سليما لا خيار له .
ولا يقال إنه ما رضي بالثمن المسمى إلا على اعتبار أنه معيب فلا يكون راضيا به حين وجده سليما لأنه أنزل عالما بوصف السلامة فيه فحيث باعه بالمسمى كان راضيا بالثمن على اعتباره سليما فلا يرجع بشيء ، كما جعل عالما بالعيب فأنزل غير راض فيه معيبا إلا بذلك الثمن فلا يرجع عليه بشيء بل يتخير في أخذه أو رده ، فإن بذلك يعتدل النظر من الجانبين في دفع ضرر لم يلتزمه واحد منهما به فهذا الوجه هو الأوجه .
وذكر المصنف قبل قوله ( ولأن الأوصاف لا يقابلها شيء من الثمن بمجرد العقد ) فليس له أن يأخذ في مقابلة فواته شيئا ; وهذا ; لأن الثمن عين فإنما يقابله مثله ، والوصف دونه فإنه عرض لا يحرز بانفراده فلا يقابل به إلا تبعا لمعروضه غير منفرد عنه . وقوله بمجرد العقد احترازا عما إذا صارت مقصودة بالتناول حقيقة ، كما لو ضرب البائع الدابة فتعينت فإن الوصف حينئذ يفرد بالضمان ويتخير المشتري ، وكذا إذا قطع البائع يد المبيع قبل القبض فإنه يسقط نصف الثمن ; لأنه صار مقصودا بالتناول ، أو حكما بأن امتنع الرد لحق البائع [ ص: 357 ] كأن تعيب عند المشتري بعيب آخر أو لحق الشرع بأن جنى جناية .
ولذا قلنا : إن من nindex.php?page=treesubj&link=22994_25627اشترى بقرة فحلبها وشرب لبنها ثم ظهر له عيب لا يردها ; لأن تلك الزيادة التي أتلفها جزء مبيع لا أنها تبع محض .
[ فرع ]
لو صالح المشتري البائع عن حق الرد بالعيب على مال يجوز ، وبه قال nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك nindex.php?page=showalam&ids=13790والشافعي في وجه ، وفي وجه لا يجوز ، والاتفاق على عدمه في خيار الشرط والرؤية .