الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
263 - وجواب آخر جيد وهو ما رواه إبراهيم بن الجنيد الختلي في كتاب العظمة بإسناده، عن أنس، أن النبي، صلى الله عليه وسلم، قال: "إن الله جل اسمه إذا أراد أن ينزل نزل بذاته".

فإن قيل: فقد روي بضم الياء" ينزل الله" وإذا كان كذلك، صح التأويل بأنه ينزل من أفعاله التي هي ترغيب لأهل الخير واستعطاف لأهل العطف، قيل: هذا غلط لأنه لا يحفظ هذا عن أحد من أصحاب الحديث أنه روى ذلك بالضم فلا يجوز دعوى ذلك، والذي يبين بطلان ذلك قوله: "ألا من يسألني فأعطيه؟ ألا من داع فأجيبه؟" وهذه صفة تختص بها الذات دون الأفعال، وما هذه الزيادة إلا تحريف المبطلين لأخبار الصفات.

فإن قيل: يحمل قوله: "ثم يعلو" المراد به ملائكته، قيل: هذا غلط لأنه قال في الخبر: "ثم يعلو على كرسيه" وليس هذه صفة للملائكة لأن الكرسي مضاف إليه، وكذلك قوله: "ثم يرتفع" لا يصح حمله على الملائكة لأن هاء الكناية ترجع إلى المذكور.

فإن قيل: أليس قد قال تعالى: ( لطمسنا على أعينهم ) وكان طمس الأعين من الملائكة بأمر الله، فلا يمتنع أن يكون تنزل الملائكة بأمر الله، [ ص: 266 ] وكذلك قوله: ( والسماء بنيناها بأيد ) وقال: ( ودمرنا ما كان يصنع فرعون وقومه ) وقوله تعالى: ( فدمدم عليهم ربهم ) كل ذلك المراد به فعل يظهر منه كذلك هاهنا، قيل: هذا غلط، لأن تلك الآيات لم يقترن بها ما دل على أن المراد به نفس الذات فالأمر فيها محتمل، فحمل على أفعاله، وأما هاهنا ففي سياق الخبر ما دل على أن المراد به الذات من الوجه الذي ذكرناه.

فأما قوله في حديث أبي سعيد وأبي هريرة: "إذا ذهب ثلث الليل هبط" فالقول فيه كالقول في الرواية المشهورة "ينزل" وأن ذلك إخبار عن هبوط الذات ونزولها، وأما قوله في حديث أبي الدرداء: "ينزل في الساعة الثانية جنة عدن وهي داره ومسكنه لا يسكنها معه إلا النبيون والصديقون والشهداء" فإنه غير ممتنع حمله على ظاهره، وأنه يجوز إطلاق القول بأن جنة عدن داره ومسكنه، لا على وجه الحد والجهة، كما أطلقنا القول بالاستواء على العرش، لا على وجه الجهة، وقد دل على صحة هذا الإطلاق قوله تعالى: ( أأمنتم من في السماء أن يخسف بكم الأرض ) فأخبر أنه في السماء، ولا يمتنع أيضا جواز إطلاق القول بأن الأنبياء والشهداء والصديقين سكان معه.

التالي السابق


الخدمات العلمية