الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
ولو تضارب العبدان بالعصا فشج كل واحد منهما صاحبه موضحة فبرآ والبادئ معروف ، ثم إن عبدا لرجل قتل البادئ منهما خطأ قيل لمولاه ادفعه أو افده ، فإن فداه بقيمته أدى مولاه من تلك القيمة أرش جراحة العبد الباقي والفضل له من قبل أن مولى البادي هو المخاطب أولا وحكم جناية مملوكه إنما يتبين باختيار مولى العبد الثالث الدفع أو الفداء فلهذا بدئ به ولما اختار الفداء ، فقد اختلف البادي قيمته فلمولى العبد الباقي في تلك القيمة أرش الجناية على عبده والفضل لمولى [ ص: 121 ] البادي ، ثم يرجع مولى البادي بأرش جراحة عبده في عتق العبد الباقي فيدفع بها أو يفدي ; لأنه قد وصل إلى مولى العبد الباقي كمال حقه ، وإن دفع مولى القاتل عبده قام المدفوع مقام المقتول ، وقد بينا أن المقتول لو كان الباقي كأن يخير مولاه أولا ، فإن دفعه لم يكن له على المولى المدفوع إليه من أرش جراحة عبده شيء ، وإن فداه رجع في عنق صاحبه بأرش جراحة عبده فكذا هنا .

ولو كان العبد الثالث قتل الآخر منهما فدفعه مولاه قام المدفوع مقام المقتول ، فإن فداه بقيمته خير مولى البادي بين الدفع والفداء ، فإن دفعه إليه شيء له على مولى المقتول ، ولا في قيمته ; لأن عند اختياره الدفع يكون حق مولى المقتول ثابتا في أرش الجناية على العبد البادي فلا يفيد رجوع مولاه عليه شيئا ; لأن ما قبضه منه يلزمه رده عليه ، وإن فداه ، فقد طهر عبده من الجناية ، وقد فات المقتول وأخلف قيمة فيرجع في تلك القيمة بأرش جراحة عبده ، وإن مات العبد القاتل خير مولى العبد البادئ ، فإن شاء دفع أرش شجة المقتول ، وإن شاء دفع نفسه وأيهما فعل ، فقد بطل حقه ; لأن حقه كان في المقتول مشجوجا ، وقد فات ولم يخلف عوضا ; لأن عوضه كان العبد القاتل ، وقد فات وصار كأن لم يكن .

ولو مات البادئ بالضربة من شيء آخر وبقي الآخر ، فإن مولى البادي بالخيار إن شاء دفع إلى مولى الثاني أرش جناية عبده ويتبع عبده بأرش جناية عبده ; لأن بالفداء طهر عبده عن الجناية ، وقد جنى العبد الآخر على عبده فيتبعه بأرش ذلك ويخير مولى العبد بين أن يدفع عبده بذلك أو يفديه ، وإن أبى أن يدفع الأرش فلا شيء له في عنق العبد الحي لما بينا أنه كان هو المخاطب ابتداء لبداءة عبده بالجناية وشرط وجوب الجناية بوجه الخطاب له على مولى الباقي أن يدفع أرش جناية عبده عليه ، فإذا انعدم هذا الشرط بإبائه لم يكن له أن يرجع عليه بشيء كما قال أبو حنيفة رحمه الله في مولى المفقوءة عيناه إذا دفع الشجة لم يكن له أن يرجع على الباقي بشيء .

التالي السابق


الخدمات العلمية