الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
ولو أوصى له بغلة عبده سنة وليس له مال غيره كان له ثلث غلته تلك السنة ; لأن الغلة عين مال محتمل القسمة ، فإنما تنفذ الوصية في مقدار الثلث من الغلة في سنة واحدة بخلاف الخدمة ، فإنها لا تحتمل القسمة بالأجزاء فللموصى له أن يستوفي الخدمة بطريق المهايأة إلى أن يكون ما يستوفيه خدمة سنة كاملة كما أوصى لزيد ، وكذلك إن أوصى له به ، وكذلك إن أوصى له بغلة داره ، فهذا وغلة العبد سواء ; لأن الغلة في الموضعين جميعا تحتمل القسمة فلا يسلم للموصى له إلا ثلث الغلة في سنة واحدة ، وإن أراد الموصى له قسمة الدار بينه وبين الورثة ليكون هو الذي يستغل ثلثها لم يكن له ذلك إلا في رواية عن أبي يوسف ، فإنه يقول الموصي بمنزلة الشريك فيما يجب تنفيذ الوصية فيه فكما أن للشريك أن يطالب بالقسمة ليكون هو الذي يستغل نصيبه فكذلك الموصى له بالغلة هاهنا ولكنا نقول القسمة تبنى على ثبوت حق الموصى له فيما تلاقيه القسمة ولا حق له في عين الدار إنما حقه في الغلة وقسمة الدار لا تكون قسمة للغلة فلا يكون له أن يطالب بها وليس للموصى له بسكنى الدار وخدمة العبد أن يؤاجرهما عندنا .

وقال الشافعي [ ص: 183 ] له ذلك ; لأن تمليك المنفعة بعقد مضاف إلى ما بعد الموت كتمليك المنفعة في حال الحياة ، ولو تملك المنفعة بالاستئجار في حال الحياة ملك الإجارة من غيره فكذلك إذا تملك المنفعة بالوصية بعد الموت ، وهذا لأن المنفعة معتبرة بالعين والعين سواء تملكها ببدل أو بغير بدل تملك الاعتياض عنه مع غيره فكذلك المنفعة بخلاف المستعير ، فإنه لا يتملك المنفعة عندي ولكن الإعارة في حكم الإباحة ولهذا قلت : المستعير لا يعير من غيره والدليل على الفرق أن الإعارة لا يتعلق بها اللزوم والوصية بالمنفعة يتعلق بها اللزوم كالوصية بالعين وحجتنا في ذلك أن الموصى له بملك المنفعة يتعلق بها اللزوم كالوصية بالعين وحجتنا في ذلك أن الموصى له ملك المنفعة بغير عوض فلا يملك تمليكها من الغير بعوض كالمستعير ، وهذا لأن المستعير مالك للمنفعة ، فإن التمليك في حال الحياة أقرب إلى الجواز منه بعد الموت ، وإذا كانت المنفعة تحتمل التمليك بعد الموت بغير عوض فلأن تحتمل ذلك في حال الحياة أولى .

وتصح بلفظ التمليك حتى لو قال ملكتك منفعة هذه الدار كانت عارية صحيحة ، وإنما لا يتعلق بهذا اللفظ اللزوم لكونها متعرية عن البدل ، وكذلك الوصية إلا أن غير الموصي لا يتمكن من الرجوع بعد موت الموصي ، والموصي مات فلا يتصور رجوعه فيه ، وهذا لأن المنفعة ليست بمال ، وفي تمليكها بمال إحداث معنى المالية فيها ، فإنما تثبت هذه الولاية فيها لمن يملكها تبعا لملك الرقبة أو لمن يملكها بعقد المعاوضة حتى يكون مملكا لها بالصفة التي تملكها ، فأما إذا تملكها مقصودة بغير عوض ، ثم ملكها بعوض كان مملكا أكثر مما يملك معنى .

وليس له أن يخرج العبد من الكوفة إلا أن يكون الموصى له وأهله في غير الكوفة فيخرجه إلى أهله للخدمة هنالك إذا كان يخرج من الثلث ; لأن الوصية تنفذ على ما يعرف من مقصود الموصي ، فإذا كان الموصي وأهله في موضع آخر عرفنا أن المقصود له أن يحمل العبد إلى أهله ليخدمهم ، وإذا كانوا في بصرة فمقصوده إلى تمكنه من خدمة العبد من غير أن يلزمه مشقة السفر فلا يكون له أن يخرجه من بلدته ، وقد بينا هذه المسألة في كتاب الصلح وما فيها من اختلاف الروايات .

التالي السابق


الخدمات العلمية