الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
وكذلك في مسألة المحاباة فالوصية بالمحاباة تكون من الثمن وذلك بمنزلة المال المرسل حتى يتصور تنفيذه لكل واحد منهما بدون إجازة الورثة عند كثرة المال ، فإن قيل هذا فاسد ، فإن الخلاف ثابت فيما إذا أوصى بعبد بعينه لإنسان قيمته ألف وبعبد آخر بعينه لإنسان قيمته ألفان ولا مال له سواهما وهنا يتصور تنفيذ الوصية لكل واحد منهما في جميع ما سمي له بغير إجازة الورثة بأن يكثر مال الميت فيخرج العبدان من الثلث قلنا نعم ولكن وصيتهما بعين التركة حق الورثة فكانت تلك الوصية واقعة في حق الورثة .

( ألا ترى ) أنها لا تصلح إلا بعد قيام ملكه في العين عند الوصية بخلاف الوصية بالألف المرسلة ، فإنها صحيحة إن لم يكن في ملكه مال عند الوصية والطريق الآخر لأبي حنيفة أن الوصية بما زاد على الثلث وصية ضعيفة حتى لا يجب تنفيذها إلا بإجازة الورثة والوصية بالثلث وصية قوية ، ولا مزاحمة بين الضعيف والقوي في الاستحقاق ولكن الضعيف في مقابلة القوي كالمعدوم ، بمنزلة الوصية للوارث مع الوصية للأجنبي ، فإنه لا يثبت المزاحمة بينهما والمضاربة عند [ ص: 150 ] عدم إجازة الورثة وبه فارق المواريث ، فقد استوت السهام في القوة ، وكذلك الوصايا في الثلث ، فقد استوت في القوة لمصادفة كل واحد منهما محل الوصية ، وكذلك التركة إذا كانت ألفا ، وفيها دين ألف ودين ألفان ; لأن الدينين استويا في القوة ، وكذلك الوصايا في الألوف المرسلة والعتق والمحاباة ، فإنها استوت في القوة حين لم تصح في حق الورثة على ما بينا وقول الموصي قصد تبين فلنا التفصيل بناء على صحة الإيجاب في حق الاستحقاق ، وقد بطل ذلك بالرد على الطريق الأول ، وهو ضعيف على الطريق الثاني فلا يزاحم القوي وبه فارق مسألة الألف ; لأن مطلق الإضافة إليهما يعقبه تفسير ، وهو ما سمي من الستمائة لأحدهما والسبعمائة للآخر فيكون الحكم لذلك التفسير استواء الإيجاب في القوة وما قالوا إن الإيجاب ينصرف إلى جزء شائع هاهنا فاسد ، فإنه إذا أوصى بثلث ماله لابنه استحق الموصى له جميع الثلث ولو انصرف الإيجاب إلى ثلث شائع في جميع المال صار له ثلث الثلث ; لأن ذلك القدر صادف محل الوصية وحيث استحق جميع الثلث عرفنا أن تسمية الثلث مطلقا تنفيذ محل الوصية لتصحيح إيجابه في جميعه كالعبد المشترك بين اثنين يبيع أحدهما نصفا مطلقا ، فإنه ينصرف البيع إلى نصيبه خاصة ، فهذا مثله .

وعن أبي عاصم الثقفي قال سألني إبراهيم عن رجل أوصى بنصف ماله وثلثه وربعه فأجازوا قلت لا علم لي بها قال لي خذ مالا له نصف وثلث وربع وذلك اثنا عشر فخذ نصفها ستة وثلثها أربعة وربعها ثلاثة فاقسم المال على ذلك وهذا قول أبي يوسف ومحمد ، وقال أبو حنيفة رحمه الله بخلاف ذلك ولم يزد على ذلك حتى اختلفوا في تخريج المسألة على قول أبي حنيفة ، وهذه مسألة معروفة تدعى الثقفية وربما يمتحن من يدعي التحرز في المقدرات من أصحابنا ، فأما تخريج قولهما فظاهر ; لأن القسمة عندهما على طريق العول والمضاربة فالموصى له بالنصف يضرب بنصف المال ستة من اثني عشر والموصى له بالثلث يضرب بأربعة من اثني عشر والموصى له بالربع يضرب بثلاثة فمبلغ هذه السهام ثلاثة عشر فحينئذ أجازه الورثة يقسم جميع المال بينهم على ذلك ، وعند عدم الإجازة يقسم الثلث بينهم على ذلك ، وأما عند أبي حنيفة فقسمة المال بينهم عند إجازة الورثة على طريق المنازعة فخرج أبو يوسف رحمه الله قوله على طريق ومحمد رحمه الله على طريق آخر والحسن على طريق آخر وكل واحد منهما روى طريقه عنه . وطريق الحسن أوجه ، فأما طريق أبي يوسف أن الموصى له بالنصف فضل الموصى له بالثلث بسهمين ; لأن تفاوت ما بين النصف والثلث سهمان ولا منازعة في هذين السهمين لصاحب الثلث والربع فيأخذهما صاحب [ ص: 151 ] النصف ، ثم لا منازعة لصاحب الربع فيما زاد على الربع إلى تمام الثلث ، وهو سهم وصاحب الثلث والنصف كل واحد منهما يدعي ذلك ، وفي المال سعة فيأخذ كل واحد منهما سهما ففي ثمانية استوت منازعتهم فيها يكون بينهم أثلاثا فانكسر بالأثلاث فيضرب أصل المال اثنا عشر في ثلاثة فيكون ستة وثلاثين صاحب النصف أخذ مرة سهمين ومرة سهما ، وقد ضرب ذلك في الثلاثة وهي تسعة . وصاحب الثلث أخذ سهما وذلك ثلاثة والباقي أربعة وعشرون بينهم لكل واحد منهم ثمانية فحصل لصاحب الربع ثمانية من ستة وثلاثين ولصاحب الثلث أحد عشر ولصاحب النصف سبعة عشر .

وأما تخريج محمد لقول أبي حنيفة فقريب من هذا ولكنه قال لما أخذ صاحب النصف سهمين بلا منازعة تراجع حقه إلى الثلث فوصاياهم جميعا بعد ذلك اجتمعت في الثلث ، ومن أصل أبي حنيفة أن الوصايا متى وقعت في الثلث فالقسمة بين أربابها على طريق العول فيضرب صاحب النصف بما بقي من حقه ، وهو أربعة من اثني عشر وصاحب الثلث بأربعة أيضا وصاحب الربع بثلاثة فيكون بينهم على أحد عشر فالسبيل أن تضرب أصل المال اثني عشر في إحدى عشر فيكون مائة واثنين وثلاثين كان قد أخذ صاحب النصف سهمين وضربنا سهما في أحد عشر وذلك اثنان وعشرون بقي بعد ذلك مائة وعشرة لصاحب الربع من ذلك ثلاثون ولصاحب الثلث أربعون ولصاحب النصف كذلك فجملة ما حصل لصاحب النصف اثنان وستون ولصاحب الثلث أربعون ولصاحب الربع ثلاثون .

فأما تخريج الحسن رحمه الله لقوله فهو أنه اجتمع هاهنا وصيتان وصية في الثلث ووصية فيما زاد على الثلث وأبو حنيفة يرى القسمة على طريق العول في الوصايا في الثلث والقسمة على طريق المنازعة في الوصايا فيما زاد على الثلث فيعتبر كل واحد منهما ويبدأ بقسمة الثلث ; لأن القسمة على طريق العول تكون عن موافقة فهو أقوى مما ينبني على المنازعة ولأن الوصية في محلها أقوى مما إذا جاوزت محلها فنقول :

يضرب صاحب النصف في الثلث بجميع الثلث وهي أربعة وصاحب الثلث بمثله وصاحب الربع بينهم فيضرب الثلث بينهم على أحد عشر فيكون جميع المال على ثلاثة وثلاثين ، ثم يأتي إلى القسمة بطريق المنازعة فنقول صاحب النصف حقه في النصف من جميع المال وذلك ستة عشر ونصف ، وقد وصل إليه أربعة بقي له من حقه اثنا عشر ونصف وصاحب الثلث كان حقه في أحد عشر وصل إليه أربعة بقي له سبعة فما زاد على سبعة إلى تمام اثني عشر ونصف لا منازعة فيه لصاحب الثلث فيأخذه صاحب النصف وذلك خمسة ونصف ، ثم صاحب [ ص: 152 ] الربع كان حقه في الربع وذلك ثمانية وربع وصل إليه ثلاثة بقي له خمسة وربع فما زاد على خمسة وربع إلى تمام سبعة لا منازعة فيه لصاحب الربع فصاحب الثلث والنصف كل واحد منهما يدعيه ، وفي المال سعة فيأخذ كل واحد منهما سهما وثلاثة أرباع بلا منازعة فجملة ما أخذا من اثنين وعشرين ، وهو ثلثا المال تسعة مرة خمسة ونصف ومرتين سهم وثلاثة أرباع وذلك ثلاثة ونصف والباقي ثلاثة عشر استوت منازعتهم فيه فيكون بينهم أثلاثا فانكسر بالأثلاث وكان قد انكسر بالأنصاف والأرباع إلا أن الربع يجزي عن النصف ; لأن النصف يخرج من مخرج الربع فالسبيل أن يضرب ثلاثة في أربعة فيكون اثني عشر ، ثم يضرب أصل المال وذلك ثلاثة وثلاثون في اثني عشر فيكون ثلثمائة وستة وتسعين الثلث من ذلك مائة واثنان وثلاثون كان لصاحب النصف من ذلك أربعة مضروبة في اثني عشر وذلك ثمانية وأربعون ولصاحب الثلث مثل ذلك ولصاحب الربع ثلاثة مضروبة في اثني عشر وذلك ستة وثلاثون وكان ما أخذ صاحب النصف من الثلاثين بلا منازعة خمسة ونصف مضروبة في اثني عشر فذلك ستة وستون .

وما أخذ صاحب النصف وصاحب الثلث ثلاثة ونصف مضروبة في اثني عشر وذلك اثنان وأربعون بينهما نصفان لكل واحد منهما أحد وعشرون وكان الذي لا يستقيم بينهم ثلاثة عشر مضروبة في اثني عشر فيكون ذلك مائة وستة وخمسين بينهم لكل واحد منهم اثنان وخمسون فصاحب الربع ما وصل إليه من الثلثين إلا اثنان وخمسون وصاحب الثلث أخذ مرة اثنين وخمسين ومرة أحدا وعشرين وذلك ثلاثة وسبعون ، وصاحب النصف أخذ مرة اثنين وخمسين ومرة أحدا وعشرين ومرة ستة وستين فيكون ذلك مائة وتسعة وستين ، فإذا جمعت بين هذه السهام بلغت سهام ثلثي المال مائتين وأربعة وستين ، فإذا ضممته إلى الثلث الذي اقتسموه على طريق العول كانت الجملة ثلثمائة وستة وتسعين فاستقام التخريج .

التالي السابق


الخدمات العلمية