الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
ولو كان القاتل من أهل الكوفة وله بها عطاء فلم يقض بالدية على عاقلته حتى جعل ديوانه إلى البصرة ، فإنه يقضى بالدية على عاقلته من أهل البصرة ، وعلى قول زفر يقضى على عاقلته من أهل الكوفة ، وهو رواية عن أبي يوسف أيضا ; لأن الموجب للمال الجناية عند قضاء القاضي ، وقد تحققت منه وعاقلته أهل ديوان الكوفة وبعد ما تحول إلى ديوان البصرة لم يوجد منه جناية ، وإنما تعقل العاقلة عند جنايته .

( ألا ترى ) أن القاضي لو قضى بالبينة على عاقلته بالكوفة ، ثم تحول إلى ديوان البصرة قبل استيفاء شيء كانت الدية على عاقلته من أهل الكوفة فكذلك قبل قضاء القاضي لوجهين : أحدهما أن وجوب الدية في القتل الخطأ ثابت بالنص فيستوي فيه القضاء وغير القضاء ، والثاني على أن الدية العاقلة بطريق الصلة والصلات لا تصير دينا بقضاء القاضي قبل الاستيفاء كنفقة الأقارب

وجه قولنا أن المال لا يجب بنفس القتل ، وإنما يجب بقضاء [ ص: 134 ] القاضي على ما قررنا أن العجز عن استيفاء المثل إنما يتقرر بقضاء القاضي ، ثم أصل الوجوب على القاتل وبعد ما وجب عليه تتحمل عنه عاقلته .

( ألا ترى ) أنه لو أقر بقتل خطأ كانت الدية عليه خاصة ولو كان الوجوب على العاقلة ابتداء وجبت عليه بذلك عند الإقرار ، فإذا ثبت أن الوجوب عليه عند قضاء القاضي ، فإنما تتحمل عنه من يكون عاقلة له عند القضاء ، وهو أهل ديوان البصرة بخلاف ما إذا قضى بها على عاقلته بالكوفة ; لأن هناك قد تقرر الوجوب عليهم فلا يتحول إلى غيرهم بعد ذلك ، ثم إذا تحول بعد قضاء القاضي تؤخذ منه في عطائه بالبصرة حصته ; لأن في مقدار حصته محل الأداء وعطاؤه من ديوان البصرة عند الأداء فيؤخذ ذلك القدر منه وفيما زاد على ذلك محل الأداء عطاء أهل الكوفة ; لأن ذلك التقدير عليهم بقضاء القاضي ولو قلت العاقلة بعد القضاء عليهم وتعذر الأخذ منهم ضم إليهم أقرب القبائل في النسب حتى يعقلوا معهم لدفع الإجحاف عنهم ولا يشبه قلة العاقلة بعد القضاء تحول الرجل بعطائه من بلد إلى بلد ; لأن الذين يضافون إليهم عاقلة واحدة ، وهذه عاقلة مستقلة يعني أن الذين يضمون إليهم يكونون بمنزلة الأتباع لهم فلا تتبدل العاقلة باعتبارهم يوضحه أن الضم لدفع الإجحاف عنهم وذلك عند الأداء فيصار فيه إلى وقت الأداء وأما القضاء على العاقلة ففي حكم وجوب الدية وذلك يثبت بقضاء القاضي فيعتبر فيه وقت القضاء .

التالي السابق


الخدمات العلمية