الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                              6658 7069 - حدثنا أبو اليمان ، أخبرنا شعيب ، عن الزهري ح . وحدثنا إسماعيل ، حدثني أخي ، عن سليمان ، عن محمد بن أبي عتيق ، عن ابن شهاب ، عن هند بنت الحارث الفراسية ، أن أم سلمة زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - قالت : استيقظ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ليلة فزعا يقول : " سبحان الله! ماذا أنزل الله من الخزائن ؟ وماذا أنزل من الفتن ؟ من يوقظ صواحب الحجرات -يريد : أزواجه - لكى يصلين ؟ رب كاسية في الدنيا عارية في الآخرة " . [انظر : 115 - فتح: 13 \ 20 ]

                                                                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                              ذكر فيه حديث الزبير بن عدي قال : أتينا أنس بن مالك فشكونا إليه ما نلقى من الحجاج ، فقال : "اصبروا ، فإنه لا يأتي عليكم زمان إلا الذي بعده شر منه ، حتى تلقوا ربكم " . سمعته من نبيكم - صلى الله عليه وسلم - .

                                                                                                                                                                                                                              وحديث هند بنت الحارث ، عن أم سلمة - رضي الله عنها - : استيقظ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ليلة فزعا يقول : "سبحان الله! وماذا أنزل الله من الخزائن ؟ . . " . الحديث

                                                                                                                                                                                                                              وقد سلف في كتاب الصلاة في باب تحريضه على صلاة الليل .

                                                                                                                                                                                                                              وقوله : ("شر منه " ) كذا وقع في الأصول وهو الفصيح ، وأورده ابن التين بلفظ "أشر " وقال : كذا وقع على وزن أفعل . قال الجوهري : فلان [ ص: 305 ] شر الناس ، ولا يقال : أشر الناس إلا في لغة رديئة .

                                                                                                                                                                                                                              والخزائن جمع خزانة : وهو الموضع أو الوعاء الذي يخزن فيه الشيء ، سمي بذلك ، لأنه يستر المخزون فيه ، ومنه قيل للقلوب : خزائن ؛ لغوصها واستتارها .

                                                                                                                                                                                                                              وقوله في آخره : ("رب كاسية في الدنيا عارية في الآخرة " ) أي : كاسية من النعم عارية من الشكر ، فهي عارية في الآخرة من الثواب . وقال الداودي : يعني أهل الزيف والسرف عارية يوم القيامة ، قال : ويحتمل أن يريد عارية في النار .

                                                                                                                                                                                                                              فصل :

                                                                                                                                                                                                                              حديث أنس من علامات النبوة ؛ لإخباره بتغير الزمان وفساد الأحوال ، وذكر غيب لا يعلم بالرأي ، وإنما يعلم بالوحي ، ودل حديث أم سلمة على الوجه الذي يكون به الفساد ، وهو ما يفتح الله عليهم من الخزائن ، وأن الفتن مقرونة بها ، ويشهد لصحة ذلك قول الله : كلا إن الإنسان ليطغى أن رآه استغنى [العلق : 6 - 7 ] فمن فتنة المال ألا ينفق في طاعة الله ، وأن يمنع حق الله ، ومن فتنته السرف في إنفاقه ، ألا ترى قوله : "رب كاسية في الدنيا عارية في الآخرة " .

                                                                                                                                                                                                                              قال المهلب : فأخبر أن ما فتح من الخزائن فتنة الملابس ، فحذر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أزواجه وغيرهن أن يفتتن في لباس رفيع الثياب التي

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 306 ] تفتن النفوس في الدنيا رقيقها وغليظها ، وحذرهن التعري يوم القيامة منها ومن العمل الصالح ، وحضهن بهذا القول أن يقدمن ما فتح الله عليهن من تلك الخزائن للآخرة ، وليوم يحشر الناس فيه عراة ، فلا يكسى إلا الأول فالأول في الطاعة والصدقة والإنفاق في سبيل الله ، فمن أراد أن يسبق إلى الكسوة فليقدمها لآخرته ولا يذهب طيباته في الدنيا ، وليرفعها إلى يوم الحاجة .

                                                                                                                                                                                                                              فصل :

                                                                                                                                                                                                                              وقوله : ("من يوقظ صواحب الحجرات " ) ندب بعض خدمه لذلك كما قال يوم الخندق : "من يأتيني بخبر القوم " ؛ فلذلك قال : من سهل عليه في الليل أن يدور على أزواجه فيوقظهن للصلاة والاستعاذة بالله مما أراه من الفتن النازلة كي يوافقن الوقت المرجو فيه الإجابة ، فأخبرنا أن حين نزول البلاء (ينبغي ) الفزع إلى الصلاة والدعاء فيرجى كشفه ، لقوله تعالى فلولا إذ جاءهم بأسنا تضرعوا ولكن قست قلوبهم الآية [الأنعام : 43 ] .

                                                                                                                                                                                                                              فصل :

                                                                                                                                                                                                                              هذا كله والذي قبله في الباب الماضي من أعلام النبوة ، وقد رأينا هذه الأشراط عيانا ، وأدركناها فقد نقص العلم لا بل قد ذهب ، وظهر الجهل لا بل كثر وفشا ، وألقي الشح في القلوب ، وعمت الفتن ، وكثر القتل ، والنساء كاسيات عاريات .




                                                                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية