الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                              6715 7134 - حدثني يحيى بن موسى ، حدثنا يزيد بن هارون ، أخبرنا شعبة ، عن قتادة ، عن أنس بن مالك ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : " المدينة يأتيها الدجال ، فيجد الملائكة يحرسونها ، فلا يقربها الدجال قال : ولا الطاعون ، إن شاء الله " . [انظر : 1881 - مسلم : 2943 - فتح: 13 \ 101 ] .

                                                                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                              ذكر فيه حديث أبي سعيد : حدثنا النبي - صلى الله عليه وسلم - عن الدجال ، فكان فيما حدثنا به أنه قال : "يأتي الدجال -وهو محرم عليه أن يدخل نقاب المدينة - فينزل بعض السباخ التي تلي المدينة ، فيخرج إليه يومئذ رجل وهو خير الناس -أو من خيار الناس - فيقول : أشهد أنك الدجال الذي حدثنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حديثه . فيقول الدجال : أرأيتم إن [ ص: 416 ] قتلت هذا ثم أحييته ، هل تشكون في الأمر ؟ فيقولون : لا . فيقتله ثم يحييه ، فيقول : والله ما كنت فيك أشد بصيرة مني اليوم . فيريد الدجال أن يقتله فلا يسلط عليه " .

                                                                                                                                                                                                                              وحديث أبي هريرة - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "على أنقاب المدينة ملائكة ، لا يدخلها الطاعون ولا الدجال " .

                                                                                                                                                                                                                              وحديث أنس - رضي الله عنه - ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : "المدينة يأتيها الدجال ، فيجد الملائكة يحرسونها ، فلا يقربها الدجال ولا الطاعون إن شاء الله " .

                                                                                                                                                                                                                              الشرح :

                                                                                                                                                                                                                              قد سلف في الباب الذي قبل هذا الكلام على حديث أبي سعيد ، وفيه وفي حديث أبي هريرة وأنس فضل المدينة وأنها خصت بهذه الفضيلة -والله أعلم - لبركة سيدنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ودعائه لها ، وقد أراد الصحابة أن يرجعوا إلى المدينة حين وقع الوباء بالشام ثقة منهم بقوله الذي أمنهم من دخول الطاعون بلدهم ، وكذلك توقن أن الدجال لا يستطيع دخولها البتة .

                                                                                                                                                                                                                              وفي ذلك من الفقه أن الله يوكل بالمدينة ملائكة تحفظ بني آدم من الآفات والفتن إذا أراد الله حفظهم ، وقد وصف الله (في ذلك ) في قوله : له معقبات من بين يديه ومن خلفه الآية [الرعد : 11 ] يعني : بأمر الله لهم بحفظه ، وروى علي بن معبد : حدثنا بشر بن بكر ، عن الأوزاعي ، عن إسحاق بن عبد الله ، عن أنس بن مالك - رضي الله عنه - رفعه : "ليس من بلد إلا سيطؤه الدجال إلا مكة والمدينة ، ليس من نقب من أنقابها إلا عليه الملائكة صافين يحرسونها ، فينزل بالسبخة ، فترجف

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 417 ] المدينة ثلاث رجفات فيخرج الله إليه كل منافق "
                                                                                                                                                                                                                              .

                                                                                                                                                                                                                              فصل :

                                                                                                                                                                                                                              قوله : "محرم عليه أن يدخل نقاب المدينة " .

                                                                                                                                                                                                                              أي : ممنوع من ذلك ليس يريد أن يمتنع ؛ لأنه حرام عليه فيمتنع لأجل تحريمه .

                                                                                                                                                                                                                              فصل :

                                                                                                                                                                                                                              الأنقاب : الطرق ، واحدها : نقب ، ومنه قوله تعالى : فنقبوا في البلاد [ق : 36 ] أي : جعلوا فيها طرقا ومسالك ، وقال صاحب "العين " : النقب والمنقب والمنقبة : الطريق في رأس الجبل .

                                                                                                                                                                                                                              فصل :

                                                                                                                                                                                                                              وقوله في الرواية الأولى : "نقاب " . جمع نقب -ساكن القاف - ككلب وكلاب ، لكن فعل إذا كان ساكن العين لا يجمع أفعالا إلا حروفا ندرت ، منها : فرخ وأفراخ ونصر وأنصار ، وإنما يجمع على فعال وفعول وأفعل ، والنقب : الطريق في الجبل كذا في "المجمل " عن ابن السكيت وكذا في "الصحاح " ، وقال الأخفش : هي الطرق التي يسهلها الناس في الجبل . (وقال الهروي : هو الطريق [ ص: 418 ] بين الجبلين ) . وقال أبو عبد الملك : أنقاب المدينة فجاجها التي حولها ومداخلها .

                                                                                                                                                                                                                              وقال الخطابي : ذكر إثر قوله : "نقاب المدينة " . "بعض السباخ " فإن كان المراد به اسم بقعة بعينها ، وإلا فهو الطريق في الجبل ، كأنه أراد أن الدجال لا يدخل المدينة من طرقها .

                                                                                                                                                                                                                              فصل :

                                                                                                                                                                                                                              وقوله : "ما كنت فيك أشد بصيرة " . أي : أثبت نفسا ، وإذا قال له الرجل ذاب الدجال كما يذوب الملح في الماء ، قاله الداودي .

                                                                                                                                                                                                                              فصل :

                                                                                                                                                                                                                              والطاعون : الموت من الوباء ، وقال الداودي : هو حية تخرج في الأرفاغ وفي كل شيء من الإنسان ، كان عذابا أرسل على بعض الأمم ثم بقي منه بقية فهو على الكافر (عذاب ) وللمؤمن شهادة .




                                                                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية