الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
( وإن قال لها : إن دخلت الدار فأنت طالق ثلاثا فطلقها ثنتين وتزوجت زوجا آخر ودخل بها ثم عادت إلى الأول فدخلت الدار طلقت ثلاثا عند أبي حنيفة وأبي يوسف رحمهما الله تعالى . وقال محمد رحمة الله تعالى عليه : هي طالق ما بقي من الطلاق ) وهو قول زفر رحمة الله تعالى عليه . وأصله أن الزوج الثاني يهدم ما دون الثلاث عندهما فتعود إليه بالثلاث .

وعند محمد وزفر رحمهما الله تعالى لا يهدم ما دون الثلاث فتعود إليه ما بقي ، [ ص: 133 ] وسنبين من بعد إن شاء الله تعالى ( وإن قال لها : إن دخلت الدار فأنت طالق ثلاثا ثم قال لها : أنت طالق ثلاثا فتزوجت غيره ودخل بها ثم رجعت إلى الأول فدخلت الدار لم يقع شيء ) وقال زفر رحمة الله تعالى عليه : يقع الثلاث لأن الجزاء ثلاث مطلق لإطلاق اللفظ ، وقد بقي حتى وقوعها فتبقى اليمين . ولنا أن الجزاء طلقات هذا الملك لأنها هي المانعة لأن الظاهر عدم ما يحدث واليمين تعقد للمنع أو الحمل ، وإذا كان الجزاء ما ذكرناه وقد فات بتنجيز الثلاث المبطل للمحلية فلا تبقى اليمين ، بخلاف ما إذا أبانها لأن الجزاء باق لبقاء محله

التالي السابق


( قوله وإن قال لها : إن دخلت الدار فأنت طالق ثلاثا وطلقها ثنتين إلخ ) فائدة الخلاف لا تظهر في الصورة المذكورة في الكتاب للاتفاق فيها على وقوع الثلاث . أما عند محمد فلأن الباقي واحدة بها يكمل الثلاث .

وأما عندهما فالثلاث المعلقة بواسطة ملكه ثنتين بالهدم مع الواحدة الباقية ، وإنما تظهر فيما إذا علق طلقة واحدة ثم نجز ثنتين ثم تزوجت بغيره ثم عادت إلى الأول ثم وجد الشرط ; فعند محمد رحمه الله تعالى تحرم حرمة غليظة ، وعندهما لا إذ يملك بعد [ ص: 133 ] الوقوع ثنتين ( قوله وسنبينه بعد ) ونحن نبينه هناك إن شاء الله تعالى ( قوله ولنا أن الجزاء طلقات هذا الملك ) لما قدمنا أن معنى اليمين إنما يتحقق بكون الجزاء غالب الوقوع لتحقق الإخافة ، والظاهر عند استيفاء الطلقات الثلاث عدم العود لأنه موقوف على التزوج بغيره ، والظاهر عند التزوج به عدم فراقها وعودها إلى الأول لأنه عقد يعقد للعمر فلا يكون غير الملك القائم مرادا لعدم تحقق اليمين باعتباره فتقيد الإطلاق به بدلالة حال المتكلم : أعني إرادة اليمين .

وأيضا بوقوع الثلاث خرجت عن المحلية له ، وإنما تحدث محليتها بعد الثاني فصارت كالمرتدة تحدث محليتها بالإسلام ، وبطلان المحلية للجزاء يبطل اليمين كفوت محل الشرط بأن قال إن دخلت هذه الدار فدخلت [ ص: 134 ] حماما أو بستانا لا يقع اليمين فهذا كذلك ، بخلاف قوله لعبده إن دخلت فأنت حر ثم باعه ثم اشتراه فدخل حيث يعتق لأن محليته بالرق ولم تزل بالبيع ، وبخلاف ما إذا طلقها ثنتين والمسألة بحالها ثم تزوجت بغيره ثم عادت إليه فوجد الشرط حيث يقع المعلق ، خلافا لزفر حيث يوقع الواحدة الباقية لأنه وإن كان استفاد حلا جديدا بملك جديد يملك به الثلاث لأن عدم بقاء اليمين بعدم المحلية ولم تزل بالطلقتين فكانت باقية حال عودها إليه .

وأورد بعض أفاضل أصحابنا أنه يجب أن لا يقع إلا واحدة كقول زفر لقولهم المعلق طلقات هذا الملك ، والفرض أن الباقي من هذا الملك ليس إلا واحدة فكان كما لو طلق امرأته ثنتين ثم قال : أنت طالق ثلاثا فإنما تقع واحدة لأنه لم يبق في ملكه سواها . والجواب أن هذه مشروطة . والمعنى أن المعلق طلقات هذا الملك الثلاث ما دام ملكه لها ، فإذا زال بقي المعلق ثلاثا مطلقة كما هو اللفظ لكن بشرط بقائها محلا للطلاق ، فإذا نجز ثنتين زال ملك الثلاث فبقي المعلق ثلاثا مطلقة ما بقيت محليتها وأمكن وقوعها ، وهذا ثابت في تنجيزه الثنتين فيقع والله أعلم .

وبخلاف ما لو قال : إن دخلت الدار فأنت علي كظهر أمي ثم طلقها ثلاثا ثم عادت إليه فدخلت حيث يصير مظاهرا لأن الظهار تحريم الفعل لا الحل الأصلي ، إلا أن قيام النكاح من شرطه فلا يشترط بقاؤه لبقاء المشروط كالشهود في النكاح ، أما الطلاق فتحريم الحل ، وقد فات بتنجيز الطلقات




الخدمات العلمية