الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
( وإن قال كل مملوك أملكه حر بعد غد ، أو قال : كل مملوك لي فهو حر بعد غد وله مملوك فاشترى آخر ثم جاء بعد غد عتق الذي في ملكه يوم حلف ) لأن قوله أملكه للحال حقيقة يقال : أنا أملك كذا وكذا ويراد به الحال ، وكذا يستعمل له من غير قرينة والاستقبال بقرينة السين أو سوف فيكون مطلقه للحال فكان الجزاء حرية المملوك في الحال مضافا إلى ما بعد الغد فلا يتناول ما يشتريه بعد اليمين .

التالي السابق


( قوله وإن قال كل مملوك أملكه حر بعد غد ) يعني أن بعد غد ظرف لحر لا لأملكه ( أو قال كل مملوك لي فهو حر بعد غد وله مملوك واحد ) في الصورتين ( فاشترى آخر ثم جاء بعد غد عتق الذي كان في ملكه يوم حلف ) دون المشتري ولفظ : بعد غد بالرفع لأنه فاعل لجاء لا ظرف . ووجهه أن كل مملوك تقدم أنه للحال ، [ ص: 516 ] وكذا لفظ أملك للحال حقيقة ، يقال أنا أملك كذا فيتبادر منه الحال ، والتبادر دليل الحقيقة ولذا استعمل فيه من غير قرينة ، وفي الاستقبال بقرينة السين وسوف وغيرهما كإسناده إلى متوقع واقتضائه طلبا على ما عرف في النحو ، وهذا أحد المذاهب لأهل العربية .

وقيل بقلبه وعليه مشى في المحيط حيث قال : أملك وإن كان حقيقة في الاستقبال إلا أنه صار للحال شرعا كما في الشهادة . وعرفا يقال أملك كذا درهما فكان كالحقيقة في الحال . والمذهب الثالث أنه مشترك للحال والاستقبال ، وهو الذي أورده بعض الشارحين على كلام المصنف ظنا أن مذهب النحاة ليس إلا أنه مشترك وهو ظاهر مذهب سيبويه .

وأعجب منه جواب من رام دفعه عن المصنف بأن قول المصنف أنه للحال لا يدل على أنه للاستقبال ليس حقيقة ; لأن المشترك حقيقة في المعنيين ا هـ .

فترك النظر إلى قول المصنف ، ولذا يستعمل له بغير قرينة وفي الاستقبال بقرينة ، وهذا صريح في أنه في الاستقبال مجاز لأنه هو المشروط بالقرينة بل الجواب ما ذكرنا أن الاشتراك ليس مذهب كل النحاة بل المذاهب ثلاثة ، وما اختاره المصنف رحمه الله مذهب المحققين منهم كأبي علي الفارسي وغيره ، واستدل عليه بما ذكره المصنف من أنه لا يراد الاستقبال إلا بقرينة كما ذكرنا بخلاف الحال ، وأما اختيار عكسه كما في المحيط فورد عليه أن الحقيقة المستعملة أولى من المجاز المتعارف عند أبي حنيفة فكان ينبغي أن يكون الجواب عنده على الخلاف المذكور ، وأما تفريعه على الاشتراك فغاية ما وجه به أن تعين الحال بغلبة الاستعمال عند عدم القرينة : أي المعينة لأحد المفهومين الحقيقيين ، بخلاف نحو أسافر وأتزوج فإنه محفوف بقرينة الاستقبال وهي المشاهدة ، وإذا ثبت أنه يراد به الحال على اختلاف التخريج كان الجزاء حرية عبد مملوك في الحال مضافا إلى ما بعد الغد فلا يعتق المملوك بعد الحال .




الخدمات العلمية