الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 500 ] وكذلك لو قال لامرأتيه إحداكما طالق ثم ماتت إحداهما لما قلنا ، وكذلك لو وطئ إحداهما لما نبين ( ولو قال لأمتيه إحداكما حرة ثم جامع إحداهما ) لم تعتق الأخرى عند أبي حنيفة رحمه الله . وقالا تعتق لأن الوطء لا يحل إلا في الملك وإحداهما حرة فكان بالوطء مستبقيا الملك في الموطوءة فتعينت الأخرى لزواله بالعتق كما في الطلاق وله أن الملك قائم في الموطوءة لأن الإيقاع في المنكرة وهي معينة فكان وطؤها حلالا فلا يجعل بيانا ولهذا حل وطؤهما على مذهبه إلا أنه لا يفتي به ، [ ص: 501 ] ثم يقال العتق غير نازل قبل البيان لتعلقه به أو يقال نازل في المنكرة فيظهر في حق حكم تقبله والوطء يصادف المعينة ، بخلاف الطلاق ; لأن المقصود الأصلي من النكاح الولد ، وقصد الولد بالوطء يدل على استبقاء الملك في الموطوءة صيانة للولد ، أما الأمة فالمقصود من وطئها قضاء الشهوة دون الولد فلا يدل على الاستبقاء

التالي السابق


( قوله وكذلك لو قال لامرأتيه : إحداكما طالق ثم ماتت إحداهما ) يعني تطلق الحية ( لما قلنا ) في العتق من عتق الباقي بموت أحدهما لعدم محلية العتق ( وكذا لو وطئ إحدى المرأتين تطلق الأخرى لما نبين ) في مسألة الأمتين التي تليها ( قوله ولو قال لأمتيه إحداكما حرة ثم جامع إحداهما ) ولم تعلق ( لم تعتق الأخرى عند أبي حنيفة ) وبه قال أحمد ، أما لو علقت عتقت الأخرى اتفاقا ، ولو قال إحداكما مدبرة ثم وطئ إحداهما لا يكون بيانا بالإجماع ; لأن التدبير لا يزيل ملك المنافع بخلاف العتق ( وقالا تعتق ) وبه قال الشافعي ومالك في رواية ( لهما أن الوطء لا يحل إلا في ملك ) وإحداهما ليست في الملك لعتق إحداهما بذلك الكلام ، ولذا لو قتلهما إنسان وجب نصف دية وقيمة لكل منهما فكان بوطء إحداهما مبينا للمستبقى لملكها ( فتعينت الأخرى لزواله بذلك العتق كما في الطلاق ) المبهم فإنه إذا قال لزوجتيه : إحداكما طالق ولم يدخل بهما أو دخل فقال : طالق بائن أو ثلاثا فوطئ إحداهما طلقت الأخرى اتفاقا ، وإنما قيدنا الطلاق بما ذكرنا ، لأنه لو كان رجعيا لا يكون الوطء بيانا لطلاق الأخرى لحل وطء المطلقة الرجعية ، ذكره في النوادر وهل يثبت البيان في الطلاق بالمقدمات ؟ في الزيادات لا يثبت .

وقال الكرخي : يحصل بالتقبيل كما يحصل بالوطء ( وله أن الملك قائم فيهما ) جميعا حتى [ ص: 501 ] قال يحل وطؤهما ، ولهذا لو وطئتا بشبهة كان الواجب عقر مملوكتين ويكون كله للمولى ، وإنما يملك البدل بملك الأصل ، وهذا لأن العتق في المنكرة : أي المبهمة الدائرة بين كل منهما وهي غير المعينة وتنافيها ، لأن المعينة ليست دائرة بين نفسها والمعينة الأخرى في حق العلم والمبهمة أحد دائر بينهما ووقوعه في المعينة مشروط بالبيان فكان عتق المعينة معلقا به ، والمعلق بالشرط عدم قبله ، فهو كما لو قال لزوجته : إن طلقتك فأنت طالق أو لأمته إن دخلت فأنت حرة فإن له وطأهما قبل الشرط لقيام الملك في الحال .

فقولهما إحداهما حرة إن أريد المعينة منعناه أو المبهمة سلمناه ، ولا يفيد لأن الوطء إنما يقع في المعينة فوطؤهما لم يقع في محل الحرمة فحل ، فإذا حل وطء كل منهما لم يكن وطء إحداهما دليلا على تحريم الأخرى بعتقها ، وإنما يلزم إذا كان الحلال وطء إحداهما فقط وهو ممنوع وحينئذ يرد النقض بالوطء بالطلاق المبهم فإنه لو صح ما ذكر لزم حل وطئهما لوقوعه في معينة والمطلقة هي المبهمة ، فإذا أجيب عنه بتقييد حلهما بما إذا لم تتعين إحداهما للطلاق وبمجرد وطء إحداهما تتعين الأخرى فتحرم بخلافه في العتق عاد أول المسألة وهو أنه كما كان الوطء بيانا في الطلاق يجب أن يكون بيانا في العتق لأن الملك في الزوجتين المعينتين قائم ، وإنما المطلقة هي المبهمة ، ولا جواب له سوى أن الدال في الأصل : أعني الطلاق المبهم ليس إلا قصد الاستبقاء فإنه هو الدليل على نفي الأخرى إذا كان الواجب إخراج إحداهما عن الملك وهو مبطن فيدار على دليله وهو الوطء لطلب الولد ، فإن طلبه يفيد استبقاء من هو منها كي لا يضيع حاله ، ووطء [ ص: 502 ] المنكوحة هو المفيد لطلب الولد ظاهرا لأنه هو الذي وضع له عقدها لا وطء الأمة لأن عقدها لم يوضع لذلك بل للاستخدام ، ووطؤها من جملة الاستخدام قضاء للشهوة ، فلم يكن وجوده دليلا على قصد الولد دلالة ظاهرة ، وعلى هذا ويكفي في دليلهما أن يقال وطء إحداهما دليل استبقائها كالوطء في الطلاق المبهم ، وفي وجه قوله منع دلالته ، والفرق بما ذكرنا ، ولا حاجة إلى إثبات الملك فيهما وحل وطئهما .

ثم القول بأنه لا يفتى به لترك الاحتياط فالحق أنه لا يحل وطؤهما كما لا يصح بيعهما ، وقد وضع في الأصول مسألة يجوز أن يحرم أحد أشياء كما يجوز إيجاب أحد أشياء كما في خصال الكفارة وحكم تحريم أحد أشياء جواز فعلها إلا واحدا لأنه لو عمها فعلا كان فاعلا للمحرم قطعا ولا يعلم خلاف في ذلك ، وثبوت الملك قد يمتنع معه الوطء لعارض كالرضاع والمجوسية فلا يستلزم قيامه حل الوطء ، وهنا كذلك فإن موجب اللفظ وهو عتق إحداهما لا يعدوهما ، ففي وطئهما وطء المحرمة بيقين فلا يحل قطعا وإن كان الملك قائما فيهما ، بخلاف أخذه أرش الجناية عليهما لأنه بدل الملك غير مقيد بحل الوطء ، وغرامة قيمة مملوكين كذلك أيضا ، وإنما وجب نصف قيمة ودية لكل منهما إذا قتلهما رجل لصحة إثباته بدون التعيين ، وإنما يتنصف لأن إحداهما حرة بيقين ولا تعرف فتنصف في الضمان ثم ما هو قيمة للمولى وما هو دية للورثة ، بخلاف ما لو قتلهما رجلان فإن على كل منهما قيمة أمة إذ ليست كل منهما حرة في نفس الأمر فكل من الرجلين يقول ذلك فتعذر الإيجاب على العاقلة من غير يقين بالضمان عليهم ، بخلاف قتل واحد فإن الحرة لا تعدوهما فتحقق عليه ضمان حرة غير معلومة بعينها فتوزع فيهما .

وقولهم وقوع الطلاق فيهما معلق بالبيان فجاز وطؤهما غير صحيح ، إذ لا تعليق بل تنجيز مأمور في الشرع بتعيين محله ، ولو كان يمينا محضا لم يجبر على إيقاع شرطه كسائر الأيمان ، وهنا يجبر على البيان الذي هو بمنزلة الشرط فعرف أنه شبيه به من حيث توقف الوقوع في المعينة عليه شبها لا يوجب حقيقة أحكامه من حل الوطء قبل الشرط فيهما ، وأبو حنيفة لم ينقل عنه ذلك صريحا بل خرج من تعليله الملك فيهما بحل وطء إحداهما .



[ فروع ]

من البيان لو قال لأمتيه إحداكما حرة ثم قال لم أعن هذه عتقت الأخرى ، ولو قال بعد ذلك لم أعن هذه الأخرى عتقت الأولى فتعتقان ، لأن قوله لم أعن هذه إقرار بعتق الأخرى فقد أقر بعتقهما ، وكذا هذا في الطلاق ، بخلاف ما لو قال لأحد هذين علي ألف فقيل له أهو هذا فقال لا لم يجب للآخر شيء . والفرق أن البيان في الإقرار المبهم ليس واجبا بخلافه في إنشاء الطلاق والعتاق المبهم .



ولو قال أمة وعبد من رقيقي حران ومات قبل البيان ، فإن كان له أمة وعبدان عتقت الأمة ومن كل عبد نصفه ، وإن كانوا ثلاثة عتق من كل ثلثه ويسعون في الباقي ، ولو تعددت الإماء فعلى هذا القياس إن كانتا أمتين عتق من كل نصفها أو ثلاثا عتق من كل ثلثها وتسعى في الباقي ، والله سبحانه وتعالى أعلم .




الخدمات العلمية