الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 479 ] ( وللمدبر أن يضمن المعتق ثلث قيمته مدبرا ولا يضمنه الثلث الذي ضمن ، وهذا عند أبي حنيفة رحمه الله ، وقالا العبد كله للذي دبره أول مرة ويضمن ثلثي قيمته لشريكيه موسرا كان أو معسرا ) وأصل هذا أن التدبير يتجزأ عند أبي حنيفة رحمه الله خلافا لهما كالإعتاق لأنه شعبة من شعبه فيكون معتبرا به ، ولما كان متجزئا عنده اقتصر على نصيبه ، وقد أفسد بالتدبير نصيب الآخرين فلكل واحد منهما أن يدبر نصيبه أو يعتق أو يكاتب أو يضمن المدبر أو يستسعي العبد أو يتركه على حاله لأن نصيبه باق على ملكه فاسد بإفساد شريكه حيث سد عليه طرق الانتفاع به بيعا وهبة على ما مر ، فإذا اختار أحدهما العتق تعين حقه فيه وسقط اختياره غيره فتوجه للساكت سبب ضمان تدبير المدبر وإعتاق هذا المعتق ، غير أن له أن يضمن المدبر ليكون الضمان ضمان معاوضة إذ هو الأصل [ ص: 480 ] حتى جعل الغصب ضمان معاوضة على أصلنا ، وأمكن ذلك في التدبير لكونه قابلا للنقل من ملك إلى ملك وقت التدبير ، ولا يمكن ذلك في الإعتاق لأنه عند ذلك مكاتب أو حر على اختلاف الأصلين ، ولا بد من رضا المكاتب بفسخه حتى يقبل الانتقال [ ص: 481 ] فلهذا يضمن المدبر ، ثم للمدبر أن يضمن المعتق ثلث قيمته مدبرا لأنه أفسد عليه نصيبه مدبرا ، والضمان يتقدر بقيمة المتلف ، وقيمة المدبر ثلثا قيمته قنا على ما قالوا .

التالي السابق


( وللمدبر أن يضمن المعتق ثلث قيمته مدبرا ولا يضمنه الثلث الذي ضمن ) أعني ثلثه قنا ( وهذا ) كله ( عند أبي حنيفة وقالا العبد كله للذي دبره أولا ويضمن ثلثي قيمته لشريكيه موسرا كان أو معسرا وأصل هذا ) الخلاف ( أن التدبير يتجزأ عند أبي حنيفة خلافا لهما كالإعتاق لأنه شعبة من شعب العتق ) إذ هو عتق مضاف ( فيكون معتبرا به ، ولما كان التدبير متجزئا عنده اقتصر على نصيبه وقد أفسد بالتدبير نصيب الآخرين ) حيث امتنع على كل منهما البيع ، وما في معناه من الهبة والوصية والصدقة والأمهار ( فثبت لكل منهما خمس خيارات

) أن يدبر نصيبه أو يعتق أو يكاتب أو يضمن المدبر أو يستسعي العبد أو يتركه على حاله لأن نصيبه باق على ملكه فاسد بإفساد شريكه حيث سد عليه ما ذكرنا ، ( فإذا اختار أحدهما العتق تعين حقه فيه وسقط اختياره غيره فتوجه للساكت ) هو الثالث الذي لم يعتق ولم يدبر ( سببا ضمان ) أحدهما ( تدبير المدبر ) الذي أفسد عليه ما أفسد ( و ) الآخر ( عتق هذا المعتق ) فإنه تغير نصيب المدبر والساكت حيث كان لهما ولاية الاستخدام بعد التدبير وبطل ذلك بعتق المعتق حيث استحق به العبد خروجه إلى الحرية بالسعاية أو التضمين ( غير أن ) الساكت له ( تضمين المدبر ) ليس غير ( ليكون الضمان ضمان معاوضة إذ هو الأصل ) في الضمان ; لأن به يعتدل جانبا الضامن والمضمون له .

فإنه لما ملك المضمون له بدل ملكه [ ص: 480 ] وجب في تحقيق المعادلة أن يملك معطيه وهو الضامن ما دفع بدله ، فحيث أمكن هذا لا يعدل عنه ( ولهذا كان ضمان الغصب ضمان معاوضة على أصلنا ) خلافا للشافعي حيث جعله ضمان إتلاف ، فإذا جعل الضمان فيما هو عدوان ضمان معاوضة ففي العتق وشعبه من التدبير ونحوه أولى ، وهذا يحقق ما ذكرت لك في قولهم ضمان جناية . والدليل على اعتبارهم إياه ضمان جناية ما في قاضي خان : لو غصب عبدا فأبق وقضى على الغاصب بقيمته ثم عاد فللغاصب أن يبيع العبد مرابحة على القيمة التي أداها ، والمرابحة مخصوصة بالمعاوضات المحضة ، وكذا لو غصب مدبرا فاكتسب عنده أكسابا ثم أبق ولم يرجع حتى مات كانت الأكساب للغاصب لصيرورته ملكا له عند أداء الضمان ، ومما يدل على ذلك صحة إقرار المأذون بالغصب في الحال مع أن إقراره بالإتلافات مؤخر إلى ما بعد العتق ، وإذا وجب أن لا يعدل عن ضمان المعاوضة ما أمكن وجب هنا لأنه ممكن ( لكونه ) أي نصيب الساكت ( قابلا للنقل من ملك إلى ملك ) في المضمون ثم بعد ذلك لا يحتمل النقل فامتنع جعل العتق الكائن بعده سببا لضمان المعاوضة ( لأنه ) أي العبد ( عند ذلك مدبر ) وفي بعض النسخ حر ( أو مكاتب على اختلاف الأصلين ولا بد من رضا المكاتب بفسخه حتى يقبل الانتقال ) .

فقال الشيخ جلال الدين ولد المصنف : هو غير مستقيم لأنه عند [ ص: 481 ] الإعتاق ليس حرا ولا مكاتبا ، بل بعد العتق يصير كذلك ، والمستسعى عند أبي حنيفة وإن كان بمنزلة المكاتب لكن لا تنفسخ هذه الكتابة بالعجز ولا بالتفاسخ ، وإذا كان كذلك فإذا وجب الضمان على المعتق للساكت لزم أن لا يكون ضمان معاوضة إذ لا يمكن ملك هذا المضمون فكان ضمان إفساد ( فلهذا يضمن ) الساكت ( المدبر ) ليس غير ( ثم للمدبر أن يضمن المعتق ثلث قيمته مدبرا لأنه إنما أفسد عليه نصيبه مدبرا ) فإن المدبر كان متمكنا قبل عتقه من استخدامه وإجارته وإعارته إلى موته فامتنع بعتقه كل ذلك وهذا معنى الإفساد عليه وإنما أفسده مدبرا والمدبر مال متقوم حتى لو كان مدبرا لشريكين فأعتقه أحدهما وهو موسر ضمن نصيب الآخر مدبرا وإن لم يتملكه بالضمان ( قوله وقيمة المدبر ثلثا قيمته قنا ) فلو كانت قيمته قنا سبعة وعشرين دينارا ضمن له ستة دنانير لأن ثلثيها وهي قيمة المدبر ثمانية عشر وثلثها وهو المضمون ستة .

( قوله على ما قالوا ) طريقته في مثله الإشعار بالخلاف ، فقيل قيمته قيمته قنا وهو غير سديد لأن القيم تتفاوت بتفاوت المنافع الممكنة ، وقيل نصف قيمته قنا لأنه ينتفع بالمملوك بعينه وبدله وفات الثاني دون الأول ، وقيل : تقوم خدمته مدة عمره حزرا فيه فما بلغت فهي قيمته ، وقيل ثلث قيمته قنا لأن الانتفاع بالوطء والسعاية والبدل ، وإنما زال الأخير فقط وإليه مال الصدر الشهيد وعليه الفتوى ، إلا أن الوجه يخص المدبرة دون المدبر ، وقيل : يسأل أهل الخبرة أن العلماء لو جوزوا بيع هذا فائت المنفعة المذكورة كم يبلغ فما ذكر فهو قيمته ، وهذا حسن عندي وأما قيمة أم الولد فثلث قيمة القن لأن البيع والاستسعاء قد انتفيا وبقي ملك الاستمتاع ، وقيل قيمة خدمتها مدة عمرها على الحزر كما تقدم ، والوجه أن يقال مدة عمر أحدهما منها ومن مولاها ، وقيل يسأل أهل الخبرة أن العلماء لو جوزوا بيعها على ما ذكرنا [ ص: 482 ] وقيمة المكاتب نصف قيمة القن لأنه حريدا وإن بقيت الرقبة .




الخدمات العلمية