الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
قال ( وتجب نفقة الابنة البالغة والابن الزمن على أبويه أثلاثا على الأب الثلثان وعلى الأم الثلث ) لأن الميراث لهما على هذا المقدار . قال العبد الضعيف : هذا الذي ذكره رواية الخصاف والحسن ، وفي ظاهر الرواية كل النفقة على الأب لقوله تعالى { وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن } وصار كالولد الصغير . ووجه الفرق على الرواية الأولى أنه اجتمعت للأب في الصغير ولاية ومئونة حتى وجبت عليه صدقة فطره فاختص بنفقته ، ولا كذلك الكبير لانعدام الولاية فيه فتشاركه الأم ، وفي غير الوالد يعتبر قدر الميراث حتى تكون نفقة الصغير على الأم والجد أثلاثا ، ونفقة الأخ المعسر على الأخوات المتفرقات الموسرات أخماسا على قدر الميراث ، [ ص: 422 ] غير أن المعتبر أهلية الإرث في الجملة لا إحرازه ، فإن المعسر إذا كان له خال وابن عم تكون نفقته على خاله وميراثه يحرزه ابن عمه ( ولا تجب نفقتهم مع اختلاف الدين لبطلان أهلية الإرث ولا بد من اعتباره ولا تجب على الفقير ) لأنها تجب صلة وهو يستحقها على غيره فكيف تستحق عليه بخلاف نفقة الزوجة وولده الصغير لأنه التزمها بالإقدام على العقد ، إذ المصالح لا تنتظم دونها ، ولا يعمل في مثلها الإعسار . ثم اليسار مقدر بالنصاب فيما روي عن أبي يوسف . وعن محمد أنه قدره بما يفضل على نفقة نفسه وعياله شهرا أو بما يفضل على ذلك من كسبه الدائم كل يوم لأن المعتبر في حقوق العباد وإنما هو القدرة دون النصاب فإنه للتيسير [ ص: 423 ] والفتوى على الأول ، لكن النصاب نصاب حرمان الصدقة .

التالي السابق


( قوله وجه الفرق ) أي بين نفقة الولد الصغير والكبير الزمن .

( قوله فاختص بنفقته ) لأنه باعتبار الولاية الكاملة صار كنفسه ، بخلاف البالغ فإنه ليس للأب ولاية عليه ليكون في معنى نفسه فاعتبر كسائر المحارم .

( قوله على الأخوات المتفرقات ) بأن تكون أخت شقيقة وأخرى لأب وأخرى لأم أخماسا ثلاثة أخماسها على الشقيقة وخمس [ ص: 422 ] على التي لأب وخمس على التي لأم لأن ميراثهن منه كذلك بواسطة الرد عليهن .

( قوله غير أن المعتبر أهلية الإرث ) هذا هو الجواب الذي أسلفناه وقدمنا تقريره . وإيضاحه أن حقيقة الوارث غير مرادة ، فإنه لمن قام به الإرث بالفعل ، وهذا لا يتحقق إلا بعد موت من تجب له النفقة ولا نفقة بعد الموت فتعذرت إرادة الحقيقة ، فكان المراد من يثبت له ميراث ، والخال كذلك فوجبت نفقته عليه ولم تجب على ابن العم لعدم المحرمية ، بخلاف ما لو كان له خال وعم أو عمة فإن النفقة حينئذ على العم لاشتراكهما في المحرمية ، وإحراز العم الميراث في الحال لو مات ، فلو كان العم معسرا وجبت بين العمة والخال أثلاثا على العمة الثلث ويجعل المعسر كالميت . والحاصل أن قوله أهلية الميراث لا إحرازه فيما إذا كان المحرز للميراث غير محرم ومعه محرم ، أما إذا ثبتت محرمية كلهم وبعضهم لا يحرز الميراث في الحال كالخال والعم إذا اجتمعا فإنه يعتبر إحراز الميراث في الحال وتجب النفقة على العم ، وإذا اتفقوا في المحرمية والإرث في الحال وكان بعضهم فقيرا جعل كالمعدوم ووجبت على الباقين على قدر إرثهم كأن ليس معهم غيرهم .

( قوله ثم اليسار مقدر بالنصاب ) أي بنصاب الزكاة على ما روي عن أبي يوسف . وعن محمد روايتان إحداهما بما يفضل عن نفقة شهر والأخرى بما يفضل عن كسبه كل يوم حتى لو كان كسبه درهما ويكفيه أربعة [ ص: 423 ] دوانق وجب عليه الدانقان للقريب ، ومحمل الروايتين على حاجة الإنسان إن كان مكتسبا ولا مال له حاصل اعتبر فضل كسبه اليومي ، وإن لم يكن بل كان له مال اعتبر نفقة شهر فينفق ذلك الشهر ، فإن صار فقيرا ارتفعت نفقتهم عنه . ومال السرخسي إلى قول محمد في الكسب فإنه علله بأن قال : لأن الاستحقاق باعتبار الحاجة فيعتبر في جانب المؤدي بتيسير الأداء وتيسير الأداء موجود إذا كان كسبه يفضل عن نفقته .

وقال صاحب التحفة : قول محمد أرفق ومال الولوالجي إلى قول أبي يوسف قال : لأن النفقة تجب على الموسر ، ونهاية اليسار لا حد لها ، وبدايته النصاب فيتقدر به . وقال في الخلاصة بعدما نقل أنه نصاب الزكاة : وبه يفتى واختار صاحب الهداية أنه نصاب حرمان الصدقة .

( قوله والفتوى على الأول ) أي على أن اليسار مقدر بالنصاب لكن لا كما يقول أبو يوسف ، وتقدم تفصيل النصب في باب صدقة الفطر ، إلا أن النفقة لما كانت حق الآدمي نفسه تعتبر مجرد القدرة عليه بعد كونه فاضلا عن حاجته ، وصدقة الفطر حق يجب لله تعالى بسبب الآدمي ، وحقوق الله تعالى يراعى فيها من التيسير ما لا يعتبر في حق العبد المحتاج وليس ذلك مطلقا بل إذا لم يكن كسوبا يعتبر أن يكون له قدر نصاب فاضل لتجب عليه النفقة . فإذا أنفق ولم يبق له شيء سقطت ، وإن كان كسوبا يعتبر قول محمد وهذا يجب أن يعول عليه في الفتوى .




الخدمات العلمية