الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
( ولا تجب على النصراني نفقة أخيه المسلم ) [ ص: 417 ] وكذا لا تجب على المسلم نفقة أخيه النصراني لأن النفقة متعلقة بالإرث بالنص بخلاف العتق عند الملك لأنه متعلق بالقرابة والمحرمية بالحديث ، ولأن القرابة موجبة للصلة ، ومع الاتفاق في الدين آكد ودوام ملك اليمين أعلى في القطيعة من حرمان النفقة ، فاعتبرنا في الأعلى أصل العلة وفي الأدنى العلة المؤكدة فلهذا افترقا ( ولا يشارك الولد في نفقة أبويه أحد ) لأن لهما تأويلا في مال الولد بالنص ، ولا تأويل لهما في مال غيره ، [ ص: 418 ] ولأنه أقرب الناس إليهما فكان أولى باستحقاق نفقتهما عليه ، وهي على الذكور والإناث بالسوية في ظاهر الرواية وهو الصحيح ، لأن المعنى يشملهما .

التالي السابق


( قوله ولا تجب على النصراني نفقة أخيه المسلم ) إظهار لبعض [ ص: 417 ] صور ذلك الكلي وهو قوله ولا تجب النفقة مع اختلاف الدين إلا للزوجة والأبوين والأجداد والجدات والولد . وقوله لأن النفقة : أي نفقة غير الولاد متعلقة بالإرث : يعني بالقرابة ، والمحرمية مقيد بالإرث بالنص وهو قوله تعالى بعد أن قال سبحانه { وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن بالمعروف } { وعلى الوارث مثل ذلك } فعلقه به ، ولا إرث بين المسلم والكافر ، بخلاف العتق فإنه تعلق بالمحرمية بسبب القرابة لا بقيد كونه وارثا بالحديث ، وهو قوله صلى الله عليه وسلم { من ملك ذا رحم محرم منه عتق عليه } وسيأتي الكلام عليه ( قوله فاعتبرنا في الأعلى ) وهو دوام ملك اليمين ( أصل العلة ) وهو القرابة المحرمة ( وفي الأدنى ) وهو النفقة ( العلة المؤكدة ) بالتوارث ، وهذا في الحقيقة إبداء لحكمة الشرع : يعني إنما شرع سبحانه إيجاب النفقة على القريب مقيدا بالإرث وشرع عتق القريب إذا ملك قريبه المحرم بلا ذلك القيد لهذا الفرق ، وهو أن عدم النفقة قطيعة واستمرار ملكه رقبة القريب فوقه في القطيعة فأوجب رفعها بلا مؤكد ، بخلاف ما لم يبلغ مبلغه في القطيعة فإنه لم يرفعه حينئذ إلا بمؤكد . وما قيل الضابط عندنا الرحم والمحرمية والإرث ليس بشرط حتى وجبت النفقة على الخال والخالة والعمة ولهم دون ابن العم . والحق في الجواب أن ليس المراد من قوله تعالى { وعلى الوارث } سوى من يثبت له ميراث ، والخال كذلك لا من يثبت له ميراث بقيد كونه في صورة وجوب النفقة عليه . لا يقال : هذا حينئذ استدلال بمفهوم الصفة على إخراج الكافر الذمي . لأنا نقول : بل هو إثبات الحكم في محل النطق وهو الوارث ونفيه عن غيره لعدم دليل الوجوب عليه فيبقى على العدم الأصلي لا أن نفيه مضاف إلى اللفظ .

( قوله لأن لهما تأويلا في مال الولد ) يفيد أنه ملكهما ( بالنص ) وهو قوله عليه الصلاة والسلام { أنت ومالك لأبيك } رواه عن النبي صلى الله عليه وسلم [ ص: 418 ] جماعة من الصحابة ، وسيأتي في باب الوطء الذي يوجب الحد . وأخرج أصحاب السنن الأربعة عن عائشة رضي الله عنها قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { إن أطيب ما أكل الرجل من كسبه ، وإن ولده من كسبه } حسنه الترمذي . فإن قيل : هذا يقتضي أن له ملكا ناجزا في ماله . قلنا : نعم لو لم يقيده حديث رواه الحاكم وصححه . والبيهقي عنها مرفوعا { إن أولادكم هبة لكم { يهب لمن يشاء إناثا ويهب لمن يشاء الذكور } ، وأموالهم لكم إذا احتجتم إليها } ومما يقطع بأن مؤول أنه تعالى ورث الأب من ابنه السدس مع ولد ولده ; فلو كان الكل ملكه لم يكن لغيره شيء مع وجوده ( قوله هو الصحيح ) احتراز عن رواية الحسن عن أبي حنيفة أن النفقة بين الذكور والإناث أثلاثا على الذكر مثل حظ الأنثيين كما في الميراث قياسا على نفقة ذوي الأرحام ، وبه قال الشافعي وأحمد . والحق الاستواء فيها لتعلق الوجوب بالولاد وهو يشملهما بالسوية ، بخلاف غير الولاد لأن الوجوب علق فيه بالإرث ، ولهذا ثبت في الولاد مع اختلاف الدين ولا توارث ، فإن كان الولد معسرا وهما موسران فلا نفقة لأحد على أحد ويجب التفصيل بين أن يكون الابن قادرا على الكسب مع اعتباره أو لا فيجري فيه الخلاف السابق بين شمس الأئمة السرخسي والحلواني .

وعن أبي يوسف قال : إذا كان الأب زمنا وكسب الابن لا يفضل عن نفقته فعليه أن يضم الأب إليه كي لا يضيع ولا يخشى بذلك الهلاك على الولد لأن الإنسان لا يهلك على نصف بطنه . وقال الشاعر :

كلوا في بعض بطنكمو تعفوا

وفي الفتاوى : يجبر الابن على نفقة زوجة أبيه ولا يجبر الأب على نفقة [ ص: 419 ] زوجة ابنه . وفي نفقات الحلواني قال : فيه روايتان : في رواية كما قلنا ، وفي رواية إنما تجب نفقة زوجة الأب إذا كان الأب مريضا أو به زمانة يحتاج إلى الخدمة ، أما إذا كان صحيحا فلا . قال في المحيط : فعلى هذا لا فرق بين الأب والابن ، فإن الابن إذا كان بهذه المثابة يجبر الأب على نفقة خادمه ، ثم الأصل في نفقة الوالدين والمولودين أنه يعتبر القرب بعد الجزئية دون الميراث ، ولذا لو كان له أخ شقيق وبنت بنت وإن سفلت أو ابن بنت كانت نفقته على بنت البنت وإن كان ميراثه لأخيه ، ولو كان له بنت ومولى عتاقة فالنفقة عليها مع اشتراكهما في الميراث ، وإذا كان للفقيه ولد وابن ابن موسران فالنفقة على الولد لأنه أقرب ، وإذا كانت له بنت وابن ابن فعلى البنت خاصة وإن كان الميراث بينهما لقرب البنت ، فإذا استويا فالنفقة عليهما إلا أن يترجح أحدهما بمرجح وهما وارثان . وإذا كان له ولد ابن وولد بنت فهما سواء في النفقة وإن كان الإرث لولد الابن ، وكذا إذا كان له ابنان مسلم ونصراني فالنفقة عليهما والميراث للمسلم فقط ، ولو كان له والد وولد فهي على الولد لاستوائهما في القرب ويترجح الولد باعتبار التأويل . ولو كان له جد وابن ابن فالنفقة عليهما على قدر ميراثهما لاستوائهما في القرب وعدم الترجيح ، الكل من المحيط .

وإذا اختلفا فقال الابن هو غني وليس علي نفقته وقال الأب أنا معسر ذكر في المنتقى أن القول للأب والبينة بينة الابن .




الخدمات العلمية