الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            مسألة : قال الشافعي ، رضي الله عنه : " وما أدرك من الصلاة فهو أول صلاته ( قال المزني ) : قد جعل هذه الركعة في معنى أولى يقرأ بأم القرآن وسورة وليس هذا من حكم الثالثة وجعلها في معنى الثالثة من المغرب بالقعود وليس هذا من حكم الأولى فجعلها آخرة أولى وهذا متناقض ، وإذا قال ما أدرك أول صلاته فالباقي عليه آخر صلاته وقد قال بهذا المعنى في موضع آخر . ( قال المزني ) : وقد روي عن علي بن أبي طالب ، رضي الله عنه ، أن ما أدرك فهو أول صلاته . وعن الأوزاعي أنه قال : ما أدرك فهو أول صلاته . ( قال المزني ) : فيقرأ في الثالثة بأم القرآن ويسر ويقعد ويسلم فيها . وهذا أصح لقوله وأقيس على أصله لأنه يجعل كل مصل لنفسه لا يفسدها عليه بفسادها على إمامه وقد أجمعوا أنه يبتدئ صلاته بالدخول فيها بالإحرام بها ، فإن فاته مع الإمام بعضها فكذلك الباقي عليه منها آخرها "

                                                                                                                                            قال الماوردي : وصورتها فيمن أدرك الإمام وقد صلى بعض الصلاة فصلى بعدما أدرك وقام بعد سلامه لقضاء ما فاته ، فمذهب الشافعي أن ما أدرك مع الإمام أول صلاته حكما وفعلا وما يقضيه آخر صلاته حكما وفعلا

                                                                                                                                            وقال أبو حنيفة ما أدركه مع الإمام أول صلاته فعلا وآخرها حكما ، وما يقضيه بعد فراغ الإمام هو أول صلاته حكما ، وآخرها فعلا تعلقا بقوله صلى الله عليه وسلم : ما أدركتم فصلوا ، وما فاتكم فاقضوا فكان في أمره صلى الله عليه وسلم دليل على أن ما يقضيه أول صلاته ، ولو كان آخرها لم يكن قاضيا : بل كان مؤديا ، قالوا : ولأنه لو أدركه في الركعة الأخيرة اتبعه في تشهد ، وليس ذلك من حكم أول صلاته ، ولو قنت معه في هذه الركعة لم يقرأ القنوت فيما يقضيه ، وفي إجماعهم على ذلك دليل على أن ما أدركه مع إمامه من أول صلاته

                                                                                                                                            والدليل على فساده قوله صلى الله عليه وسلم : ما أدركتم فصلوا وما فاتكم فأتموا وإتمام الشيء لا يكون إلا بعد أوله ، وبقية آخره ، ولأنه فعل صلاة لم يل تكبيرة الإحرام فوجب أن يكون من أولها كالإمام ، ولأنه لو كان ما يقضيه من أول صلاته لكان من سنته الجهر بالقراءة ، ولوجب أن يعتد بالتشهد الأخير إذا فعل مع الإمام ، ولا يلزمه الإتيان به قبل سلامه ، وفي إجماعهم على ترك الجهر ، ووجوب التشهد قبل السلام دليل على أن ذلك من آخر صلاته ، ولأن الشيء قد يكون أولا ، ثم آخرا ، ولا يجوز أن يكون أولا ثم آخرا ، ثم أولا ، لأن ذلك خلاف المعقول ، ولأن ما فيه تحريم وتحليل فالتحريم في أوله ، والتحليل في آخره كالصوم ، والحج ، وصلاة المنفرد ، فأما تعلقهم بقوله صلى الله عليه وسلم : وما فاتكم فاقضوا فقد روينا ما يخالفه [ ص: 195 ] على أن معناه ، وما فاتكم فأدوا كما قال تعالى : فإذا قضيت الصلاة فانتشروا في الأرض [ الجمعة : 10 ] . بمعنى فإذا أديت ، وكما يقال قضيته الحق إذا أديت

                                                                                                                                            وأما قولهم أنه يتبعه في التشهد ، والقنوت ، قلنا : لأن عليه اتباع إمامه كما يتبعه فيما لا يعتد به من السجود ، وأما القنوت فعليه إعادته في آخر صلاته فسقط اعتراضهم

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية