الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            مسألة : قال الشافعي رضي الله عنه : " فإن كان قد سبقه إمامه ببعض صلاته سجدهما بعد القضاء اتباعا لإمامه لا لما يبقى من صلاته ( قال المزني ) : القياس على أصله أنه إنما أسجد معه ما ليس من فرضي فيما أدركت معه اتباعا لفعله ، فإذا لم يفعل سقط عني اتباعه ، وكل يصلي عن نفسه " .

                                                                                                                                            قال الماوردي : وصورة هذه المسألة في رجل أحرم بالصلاة خلف إمام ، أو كان الإمام قد سبقه ببعض الصلاة ، فسها الإمام فيما بقي من صلاته ، فإذا كان كذلك كان هذا السهو متعلقا بصلاة المأموم ، فإن كان هذا الإمام حين تمم صلاته ممن يرى سجود السهو بعد السلام قام المأموم بعد سلام الإمام فأتى به في صلاته ولم يتبع الإمام في سجوده بعد السلام ، فإن تبعه فسجد معه عالما بتحريمه فصلاته باطلة ، وإن سجد معه جاهلا بتحريم ذلك فصلاته جائزة ، ثم يقوم فيأتي بباقي صلاته ، فإذا تمم صلاته سجد حينئذ للسهو قبل سلامه ، فعلى هذا لو كان المأموم قد سها فيما قضاه بعد سلام الإمام ففيه وجهان :

                                                                                                                                            أحدهما : أن سجدتي السهو تجزئه عن سهوه وسهو إمامه ، لأن جميع السهو يجبر بسجدتين .

                                                                                                                                            والوجه الثاني : أن عليه لسهو إمامه سجدتين فيأتي بأربع سجدات متواليات ، لأنهما سهوان مختلفان ، فلم يتداخلا كالحدود إذا كانت من جنس واحد تداخلت ، وإذا كانت من جنسين لم تتداخل ، والأول أصح ، لأنه لو كان اختلافهما يمنع من تداخلهما فوجب أن [ ص: 230 ] يكون تغايرهما يمنع من تداخلهما ، وهو أن يكون أحدهما لزيادة ، والآخر لنقصان ، وفي إجماعهم على تداخل السهو مع التغاير دليل على تداخله مع الاختلاف ، وهذا كله إذا كان الإمام يرى سجود السهو بعد السلام ، فأما إن كان ممن يرى سجود السهو قبل السلام فعلى المأموم أن يتبعه في السجود فيسجد معه ، فإذا سجد وسلم الإمام قام المأموم فقضى ما بقي عليه من صلاته ، ثم هل يعيد سجود السهو أم لا ؟ على قولين :

                                                                                                                                            أحدهما : وهو قوله في القديم ، واختاره المزني : لا يقضي ، لأن سجود السهو إنما لزمه باتباع إمامه ، فإذا سجد معه سقط عنه حكمه ، ولأنه لو أعاد السجود كأن قد جبر التشهد بأربع سجدات ، وذلك غير جائز ، لأن جبران السهو سجدتان لا غير .

                                                                                                                                            والقول الثاني : قاله في الجديد وهو الصحيح ، عليه إعادة سجود السهو بعد تشهده ، وقبل سلامه ، لأن سجود السهو قد لزمه بسهو إمامه ، ومحله آخر الصلاة فوجب أن يلزمه فعله في محله ، وما فعله خلف إمامه ، وإنما فعله على وجه التبع له ، وقد يتبع إمامه فيما لا يحتسب له كما لو أدركه ساجدا ، فعلى هذا لو سها المأموم فيما قضاه بعد سلام الإمام ، فإن قيل : لا يعيد سجود السهو فعليه أن يسجد لسهوه سجدتين ، وإن قيل يعيد سجود السهو كان على الوجهين السابقين :

                                                                                                                                            أحدهما : يسجد أربع سجدات .

                                                                                                                                            والثاني : سجدتين .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية