الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
خبر من فتح القسطنطينية

حدثنا محمد بن الحسن بن دريد، أنبأنا أبو حاتم، عن العتبي، قال: كتب مسلمة بن عبد الملك إلى أبيه، وهو بالقسطنطينية:


أرقت وصحراء الطوانة منزلي لبرق تلالا نحو عمرة يلمح     أزوال أمرا لم يكن ليطيقه
من القوم إلا القلبي الصمحمح



فكتب القعقاع بن خليد العبسي إلى عبد الملك:


فأبلغ أمير المؤمنين بأننا     سوى ما يقول القلبي الصمحمح
أكلنا لحوم الخيل رطبا ويابسا     وأكبادنا من أكلنا الخيل تقرح
ونحسبها نحو الطوانة ظلعا     وليس لها حول الطوانة مسرح
فليت الفزاري الذي غش نفسه     وخان أمير المؤمنين يسرح



وكان أصابتهم مجاعة حتى أكلوا الخيل، فكتم ذلك مسلمة بن عبد الملك، وكتب مع رجل من بني فزارة، فذلك معنى قوله:

فليت الفزاري الذي غش نفسه

 

معنى بعض الكلمات ووزنها

قال القاضي: القلبي: الذي يعرف تقلب الأمور وتدبيرها، ويتصفحها فيعلم بمجاريها، يقال: رجل قلبي حولي: لمحاولته وتقلبه، وتدبيره، ويقال له أيضا: حول قلب، كما قال الشاعر:


حول قلب معن مفن     كل داء له لديه دواء



وقوله: الصمحمح: أراد به وصفه بالشدة والقوة، وبين أهل العلم بكلام العرب [ ص: 221 ] اختلاف في معنى الصمحمح من جهة اللغة وفي وزنه من الفعل  على الطريقة القياسية، فأما اللغويون فاختلفوا في معناه، فذهب سيبويه ومن قال بقوله: إنه الشديد الغليظ القصير وهو صفة، ويقال أيضا للغليظ الشديد: دمكمك، وقال أبو عمرو الشيباني: الصمحمح: المحلوق الرأس، وأنشد:


صمحمح قد لاحه الهواجر



وقال أبو العباس أحمد بن يحيى: الصمحمح: الأصلع.

واختلف النحويون في وزن صمحمح من الفعل، فقال سيبويه ومن يسلك سبيله من البصريين: هو فعلعل، وقال الفراء وأتباعه من الكوفيين: هو فعلل مثل: سفرجل، وكذلك دمكمك، ولكل فريق منهم اعتلال في قوله، وطعن في مذهب خصمه.

فأما الفراء فإنه احتج بأن قال: لو جاز أن يكون صمحمح على فعلعل لتكرير لفظ العين واللام، لجاز أن يكون صرصر على فعفع، وسجسج لتكرير لفظ الفاء، فلما بطل أن يكون صرصر على فعفع بطل أن يكون صمحمح على فعلعل.

والذي قاله سيبويه هو الصحيح الذي يشهد القياس بتصويبه؛ وذلك أن موافقة الحرف المتكرر الحرف المتقدم في صورته توجب موافقته في الحكم على وزنه إذا استوفى في وزن الكلمة التي هي فاء الفعل وعينه ولامه، ما لم يلجئ إلى خلاف هذا حجة كالقصور عن استكمال هذه الحروف، والحاجة إلى إتمام الكلمة باختصار حروف الفعل، فلهذا قضي على " صرصر " بأنه " فعلل "، ولم يجز حمله على " فعفع " لأنه لو حمل على هذا بطل التمام لعدم اللام، وإذا جعلت عين الفعل في صمحمح مكررة لم يفسد الكلام، وتم مع إقامة القياس واستقام، وقد قال بعض من احتج بهذا من أصحاب سيبويه : ألا ترى أنا نجعل إحدى الراءين في احمر زائدة، ولا نجعل إحدى الراءين في مر وكر زائدة؛ لأنا لو جعلنا إحداهما زائدة بطل عين الفعل أو لامه.

وقالوا: مما يبطل قول الفراء، قولهم: " خلعلع " وهو الجعل، لو سلكنا به مذهب " سفرجل " لم يكن له نظير في كلام العرب، لأنه ليس في كلامهم مثل سفرجل، قالوا: وفي خروجه عن أبنية كلام العرب دليل على زيادة الحرف فيه.

وزعم الفراء أن اخلولق: افعوعل، فكرر العين ولم يجعله افعولل أو افعلل، وقال بعض من احتج لسيبويه بهذا، وأنكر قول الفراء إن قال قائل: ليس في الأفعال افعلل، قيل له: يلزم الفراء أن يجعلها افعلل ولا يجعله افعوعل ولا يكرر العين، إذا كان قد أنكر تكرير العين فيما ذكرنا.

وفي استقصاء القول في هذه الكلمة ونظيرها وذكر اختلاف النحويين في أصل الباب الذي يشتمل عليها طول يضيق عنه قدر مجلس بأسره من مجالس هذا الكتاب، وله موضع [ ص: 222 ] هو أولى به يؤتى به فيه إن شاء الله تعالى.

التالي السابق


الخدمات العلمية