192 - ومما يدل عليه أيضا: ما روي -رضي الله عنه- (أنه) قال: كنا في موقف لنا يزيد بن شيبان بعرفة بعيد من الإمام جدا، فأتانا ، فقال لنا: أنا رسول رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إليكم يأمركم أن تثبتوا على مشعركم، فإنكم على إرث من إرث أبيكم ابن مربع الأنصاري إبراهيم --عليه السلام-، عن وأشباه هذه الأخبار كثيرة، كخبر من أخبر عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أصحابه بتحريم لحوم الحمر الأهلية، فقبلوه وكفؤوا القدور.
ومما يدل عليه أيضا: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- فرق عمالا إلى عشائرهم، وأمرهم بأوامر [ ص: 349 ] قبلوها منهم وانتهوا إليه، وعملوا بها لعلمهم بحقيقة ذلك. وبعث -رضي الله عنه- إلى اليمن، وأمره بأوامر قبلوها منه. وبعث معاذ بن جبل ابن أنيس سرية وحده، وبعث أمراء سراياه، وكلهم حاكم فيما بعث، مخبر بما بعث، ولم يرد أحد من المبعوثين إليهم قول الأمير المبعوث ولا خبره، بل كانوا يقبلونه لعلمهم بصدقهم، ووقع الحجة بذلك عليهم.
وإذا ثبت ما قلنا في لأن الذي جاء فأخبر أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- بتحويل القبلة، وتحريم الشراب وغير ذلك لما كان صادقا جعلوا كأنهم سمعوا ذلك من النبي -صلى الله عليه وسلم- لوقوع الصدق في خبره عندهم حقيقة. الخبر الذي يحدث به واحد عن واحد حتى ينتهي إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- ثبت أنه يعمل به ويثبت الحجة به،
والخبر إذا صح كان كالمشاهدة، فإن قيل: أخبار الآحاد كالشهادات، والشهادة لا يجوز أن يقطع على مغيبها بالإجماع. قيل: الشهادة تخالف أداء الحديث في مواضع: منها أنها لا تقبل لابن الشاهد، ولا لأبيه وأمه، وليس كذلك الحديث؛ لأنه إذا حدث عن ابنه أو أبيه أو أمه يقبل حديثه.
ولأن المحدث لا يتهم فيمن حدث عنه أنه يجر إلى نفسه، أو إلى من حدث عنه منفعة، والشهادة حكاية الشاهد، قول نفسه، وما تقرر عنده، وتحديث المحدث حكاية عن غيره، فهو أكثر براءة ممن يؤدي قول نفسه.
[ ص: 350 ]