( حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=16818قتيبة بن سعيد عن
nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك بن أنس ح ) إشارة إلى تحويل السند ، وقد أكده بالواو العاطفة ، حيث قال : ( وحدثنا
إسحاق بن موسى حدثنا معن ) بفتح فسكون ( حدثنا
مالك عن
nindex.php?page=showalam&ids=16068سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن
nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة ، قال : كان الناس ) وهو أعم من الصحابة ، كما لا يخفى ( إذا رأوا أول الثمر ) أي باكورة كل فاكهة ( جاءوا به ) أي بأول الثمر والباء للتعدية ( إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ) إيثارا له بذلك على أنفسهم ، حبا له وتعظيما لجنابه ، وطلبا للبركة ، فيما جدد الله عليهم من نعمه ببركة وجوده ، وطلبا لمزيد استدرار إحسانه وكرمه وجوده ، ويرونه أولى الناس بما سيق إليهم من رزق ربهم ، وينبغي أن يكون خلفاؤه من الأولياء والعلماء كذلك ، ( فإذا أخذه رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ) أي مستقبلا للنعمة المجددة بالتضرع والمسألة ، والتوجه والإقبال التام إلى المنعم الحقيقي ، طلبا لمزيد الإنعام على وجه يعم الخاص والعام ، (
nindex.php?page=hadith&LINKID=10345382اللهم بارك لنا في ثمارنا ، وبارك لنا في مدينتنا ) أي عموما شاملا لأهلها وثمارها ، وسائر منافعها ( وبارك لنا في صاعنا ) أي خصوصا وكذا قوله : ( وفي مدنا ) والمراد به الطعام الذي يكال بالصيعان والأمداد ، فيكون لهم بالبركة في أقواتهم في عموم أوقاتهم ، إشارة إلى أنها الأصل في أمور معاشهم المعينة على أمور معادهم ، وإنما قدم الثمار لأن المقام كان مستدعيا له ، ثم ذكر الصاع والمد اهتماما لشأنهما ، والصاع مكيال يسع أربعة أمداد بالاتفاق ، واختلف في مقدار المد فقيل : هو رطل وثلث بالعراقي ، وهو قول
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي وفقهاء
الحجاز ، وقيل : هو رطلان ، وهو قول
أبي حنيفة وفقهاء
العراق ، فيكون الصاع خمسة أرطال وثلثا ، على القول الأول ، وثمانية أرطال على القول الثاني ، وأدلة كل واحد مذكورة في الكتب المبسوطة ، وثمرة الخلاف تظهر في نحو صدقة الفطر ، وقد ضيع أهل
المدينة صاع النبي صلى الله عليه وسلم ومده الذي كان في زمنه ، والله ولي دينه ، ثم ينبغي لكل آخذ باكورة أن يدعو بهذا الدعاء المبارك إلى ربها ، قال
nindex.php?page=showalam&ids=14961القاضي عياض : البركة تكون بمعنى النماء والزيادة ، وتكون بمعنى الثبات واللزوم ، ويحتمل أن تكون البركة المذكورة في الحديث دينية ، وهي ما يتعلق بهذه المقادير من حقوق الله تعالى في الزكاة والكفارات ، فتكون بمعنى الثبات والبقاء لها ، كبقاء الحكم ببقاء الشريعة وثباتها ، ويحتمل أن تكون دنيوية من تكثير الكيل والقدر بها ، حتى يكفي منه في
المدينة ما لا يكفي
[ ص: 299 ] منه في غيرها ، أو يرجع البركة إلى التصرف بها في التجارات وأرباحها ، أو إلى كثرة ما يكال بها من غلاتها وثمارها ، أو ترجع إلى الزيادة فيما يكال بها لاتساع عيشهم وكثرته ، بعد ضيقه لما فتح الله عليهم ، ووسع من فضله لهم ، وملكهم من بلاد الخصب والريف
بالشام والعراق ومصر وغيرها ، حتى كثر الحمل إلى
المدينة ، واتسع عيشهم وصارت هذه البركة في الكيل نفسه ، فزاد مدهم وصار هاشميا ، مثل مد النبي صلى الله عليه وسلم مرتين أو مرة ونصفا ، وفي هذا كله ظهور إجابة دعاء النبي صلى الله عليه وسلم وقبوله ، واختار الإمام
النووي من تلك التوجيهات البركة في نفس مكيل
المدينة ، بحيث يكفي المد فيها لمن لا يكفيه في غير كما تقدم ، وقال
القرطبي : إذا وجدت البركة فيها في وقت حصلت إجابة الدعوة ، ولا يستلزم دوامها في كل حين ، ولكل شخص ، وقال
الطيبي : لعل الظاهر أن قوله : ولاتساع عيشهم ، إلخ . لأنه صلى الله عليه وسلم قال : (
nindex.php?page=hadith&LINKID=10345383اللهم إن إبراهيم عبدك وخليلك ونبيك ، وإني عبدك ونبيك ) ولم يقل في وصفه خليلك أو حبيبك تواضعا لربه ، أو تأدبا مع جده ( وأنه دعاك
لمكة ، وإني أدعوك
للمدينة بمثل ما دعاك ) أي به كما في نسخة (
لمكة ) ودعاء إبراهيم عليه السلام ، هو قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=37فاجعل أفئدة من الناس تهوي إليهم وارزقهم من الثمرات لعلهم يشكرون يعني وارزقهم من الثمرات ، بأن تجلب إليهم من البلاد الشاسعة ، لعلهم يشكرون النعمة في أن يرزقوا أنواع الثمرات حاضرة في واديات ليس لهم فيها نجم ، ولا شجر ولا ماء ، ولا جرم أن الله عز وجل أجاب دعوته وجعله كما أخبر عنه بقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=57أولم نمكن لهم حرما آمنا يجبى إليه ثمرات كل شيء رزقا من لدنا ولكن أكثرهم لا يعلمون ولعمري إن دعاء حبيب الله صلى الله عليه وسلم استجيب لها ، وضاعف خيرها ، بما جلب إليها في زمن الخلفاء الراشدين ، رضوان الله عليهم أجمعين ، من مشارق الأرض إلى مغاربها ، ككنوز
nindex.php?page=showalam&ids=16848كسرى وقيصر وخاقان مما لا يحصى ولا يحصر ، وفي آخر الأمر ، يأرز الدين إليها من أقاصي الأرض وشاسع البلاد ، كما تأرز الحية إلى جحرها على ما ورد به الخبر ، وهذا معنى قوله : ( ومثله معه ) والضميران لمثل ما دعاك ، ثم اعلم أن الخليل بمعنى الفاعل ، وهو مشتق من الخلة بضم الخاء ، وهي الصداقة والمحبة التي تخللت القلب ، وتمكنت في خلاله ، وهذا صحيح بالنسبة إلى قلب
إبراهيم عليه السلام من حب الله تعالى ، وهذا هو معنى قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=89إلا من أتى الله بقلب سليم أي سالم عن محبة ما سواه ، وقيل : هو مشتق من الخلة ، بالفتح وهي الحاجة سمي بذلك لانقطاعه إلى ربه ، وإظهار حاجته إليه واعتماده عليه وتسليمه لديه ، حتى قال حين إلقائه في النار لجبريل حيث : قال له : ألك حاجة ؟ أما إليك ، فلا ، قال : فاسأل ربك ، قال : كفى علمه بالحال عن السؤال بالمقال ، وإنما لم يذكر صلى الله عليه وسلم الخلة لنفسه ، مع أنه أيضا خليل الله على ما نص عليه صلى الله عليه وسلم ، في غير هذا الموضع بل هو أرفع من الخليل ، فإنه خص بمقام المحبوبية التي هي أرفع من مقام الخلة ; لأنه صلى الله عليه وسلم في مقام الدعاء اللائق به ، التواضع والانكسار ، لا التمدح والافتخار ، وأيضا راعى
[ ص: 300 ] الأدب مع جده صلى الله عليه وسلم ، على أنه أشار إلى تميزه عنه بقوله : ومثله معه ( قال ) أي أبو هريرة ( ثم يدعو أصغر وليد ) أي : أي صغير ( يراه فيعطيه ذلك الثمر ) ، وفي نسخة : " وليد " بالتصغير إشارة إلى أن اختيار الأصغر فالأصغر لزيادة المبالغة ، لكن المعتمد هو الأول بدون " له " ، قال
ميرك شاه كذا هو في رواية هذا الكتاب ، ومثله في رواية
مسلم ، وفي رواية له فيعطيه أصغر من يحضر من الولدان ، وفي أخرى لمسلم أيضا : ثم يدعو أصغر وليد له فيعطيه ، فحمل بعضهم الروايتين المطلقتين المتقدمتين على هذه الرواية المقيدة ، كما تقرر في الأصول من قاعدة حمل المطلق على المقيد ، ومنهم من أول الرواية المقيدة بأن قوله : أصغر وليد له ، يعني للمؤمنين ، وليس المراد من أهل بيته ، انتهى .
والأظهر أنه ما كان يعتني في أنه يعطيه لأصغر ولد من أهل بيته ، أو من غيرهم ، وإنما كان بحسب ما اتفق له من حضور أي صغير ظهر ، نعم . لو لم يكن هناك أحد من الصغار ، ربما يخص أحدا من صغار أهل بيته لقربهم وقرابتهم ، وأما مع وجود صغير آخر فلا يتصور إيثار أحد من أولاده ، على أولاد سائر أصحابه ، كما هو المعلوم من كريم أخلاقه ، وحسن آدابه ، ثم تخصيص الصغار بباكورة الثمار للمناسبة الواضحة بينهما ، من حدثان عهدهما بالإبداع ; ولأن الصغير أرغب فيه وأكثر تطلبا ، وأشد حرصا ، ولفتا مع ما في إيثاره على الغير من قمع الشره الموجب لتناوله ، وكسر الشهوة المقتضية لذوقه ، ومن أن النفوس الزكية لا تركن إلى تناول شيء من الباكورة إلا بعد أن يعم وجوده ، ويقدر كل أحد على أكله ، وفيه بيان حسن عشرته ، وكمال شفقته ومرحمته وملاطفته مع الكبير والصغير ، وتنزيل كل أحد في مقامه ومرتبته اللائقة به .
( حَدَّثَنَا
nindex.php?page=showalam&ids=16818قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=16867مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ ح ) إِشَارَةٌ إِلَى تَحْوِيلِ السَّنَدِ ، وَقَدْ أَكَّدَهُ بِالْوَاوِ الْعَاطِفَةِ ، حَيْثُ قَالَ : ( وَحَدَّثَنَا
إِسْحَاقُ بْنُ مُوسَى حَدَّثَنَا مَعْنٌ ) بِفَتْحٍ فَسُكُونٍ ( حَدَّثَنَا
مَالِكٌ عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=16068سُهَيْلِ بْنِ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=3أَبِي هُرَيْرَةَ ، قَالَ : كَانَ النَّاسُ ) وَهُوَ أَعَمُّ مِنَ الصَّحَابَةِ ، كَمَا لَا يَخْفَى ( إِذَا رَأَوْا أَوَّلَ الثَّمَرِ ) أَيْ بَاكُورَةَ كُلِّ فَاكِهَةٍ ( جَاءُوا بِهِ ) أَيْ بِأَوَّلِ الثَّمَرِ وَالْبَاءُ لِلتَّعْدِيَةِ ( إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ) إِيثَارًا لَهُ بِذَلِكَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ ، حُبًّا لَهُ وَتَعْظِيمًا لِجَنَابِهِ ، وَطَلَبًا لِلْبَرَكَةِ ، فِيمَا جَدَّدَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ نِعَمِهِ بِبَرَكَةِ وَجُودِهِ ، وَطَلَبًا لِمَزِيدِ اسْتِدْرَارِ إِحْسَانِهِ وَكَرَمِهِ وَجُودِهِ ، وَيَرَوْنَهُ أَوْلَى النَّاسِ بِمَا سِيقَ إِلَيْهِمْ مِنْ رِزْقِ رَبِّهِمْ ، وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ خُلَفَاؤُهُ مِنَ الْأَوْلِيَاءِ وَالْعُلَمَاءِ كَذَلِكَ ، ( فَإِذَا أَخَذَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ ) أَيْ مُسْتَقْبِلًا لِلنِّعْمَةِ الْمُجَدَّدَةِ بِالتَّضَرُّعِ وَالْمَسْأَلَةِ ، وَالتَّوَجُّهِ وَالْإِقْبَالِ التَّامِّ إِلَى الْمُنْعِمِ الْحَقِيقِيِّ ، طَلَبًا لِمَزِيدِ الْإِنْعَامِ عَلَى وَجْهٍ يَعُمُّ الْخَاصَّ وَالْعَامَّ ، (
nindex.php?page=hadith&LINKID=10345382اللَّهُمَّ بَارِكْ لَنَا فِي ثِمَارِنَا ، وَبَارِكْ لَنَا فِي مَدِينَتِنَا ) أَيْ عُمُومًا شَامِلًا لِأَهْلِهَا وَثِمَارِهَا ، وَسَائِرِ مَنَافِعِهَا ( وَبَارِكْ لَنَا فِي صَاعِنَا ) أَيْ خُصُوصًا وَكَذَا قَوْلُهُ : ( وَفِي مُدِّنَا ) وَالْمُرَادُ بِهِ الطَّعَامُ الَّذِي يُكَالُ بِالصِّيعَانِ وَالْأَمْدَادِ ، فَيَكُونُ لَهُمْ بِالْبَرَكَةِ فِي أَقْوَاتِهِمْ فِي عُمُومِ أَوْقَاتِهِمْ ، إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّهَا الْأَصْلُ فِي أُمُورِ مَعَاشِهِمُ الْمُعِينَةُ عَلَى أُمُورِ مَعَادِهِمْ ، وَإِنَّمَا قَدَّمَ الثِّمَارَ لِأَنَّ الْمَقَامَ كَانَ مُسْتَدْعِيًا لَهُ ، ثُمَّ ذَكَرَ الصَّاعَ وَالْمُدَّ اهْتِمَامًا لِشَأْنِهِمَا ، وَالصَّاعُ مِكْيَالٌ يَسَعُ أَرْبَعَةَ أَمْدَادٍ بِالِاتِّفَاقِ ، وَاخْتُلِفَ فِي مِقْدَارِ الْمُدِّ فَقِيلَ : هُوَ رِطْلٌ وَثُلُثٌ بِالْعِرَاقِيِّ ، وَهُوَ قَوْلُ
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشَّافِعِيِّ وَفُقَهَاءِ
الْحِجَازِ ، وَقِيلَ : هُوَ رِطْلَانِ ، وَهُوَ قَوْلُ
أَبِي حَنِيفَةَ وَفُقَهَاءِ
الْعِرَاقِ ، فَيَكُونُ الصَّاعُ خَمْسَةَ أَرْطَالٍ وَثُلُثًا ، عَلَى الْقَوْلِ الْأَوَّلِ ، وَثَمَانِيَةَ أَرْطَالٍ عَلَى الْقَوْلِ الثَّانِي ، وَأَدِلَّةُ كُلِّ وَاحِدٍ مَذْكُورَةٌ فِي الْكُتُبِ الْمَبْسُوطَةِ ، وَثَمَرَةُ الْخِلَافِ تَظْهَرُ فِي نَحْوِ صَدَقَةِ الْفِطْرِ ، وَقَدْ ضَيَّعَ أَهْلُ
الْمَدِينَةِ صَاعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمُدَّهُ الَّذِي كَانَ فِي زَمَنِهِ ، وَاللَّهُ وَلِيُّ دِينِهِ ، ثُمَّ يَنْبَغِي لِكُلِّ آخِذِ بَاكُورَةٍ أَنْ يَدْعُوَ بِهَذَا الدُّعَاءِ الْمُبَارَكِ إِلَى رَبِّهَا ، قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=14961الْقَاضِي عِيَاضٌ : الْبَرَكَةُ تَكُونُ بِمَعْنَى النَّمَاءِ وَالزِّيَادَةِ ، وَتَكُونُ بِمَعْنَى الثَّبَاتِ وَاللُّزُومِ ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ الْبَرَكَةُ الْمَذْكُورَةُ فِي الْحَدِيثِ دِينِيَّةً ، وَهِيَ مَا يَتَعَلَّقُ بِهَذِهِ الْمَقَادِيرِ مِنْ حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى فِي الزَّكَاةِ وَالْكَفَّارَاتِ ، فَتَكُونُ بِمَعْنَى الثَّبَاتِ وَالْبَقَاءِ لَهَا ، كَبَقَاءِ الْحُكْمِ بِبَقَاءِ الشَّرِيعَةِ وَثَبَاتِهَا ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ دُنْيَوِيَّةً مِنْ تَكْثِيرِ الْكَيْلِ وَالْقَدْرِ بِهَا ، حَتَّى يَكْفِيَ مِنْهُ فِي
الْمَدِينَةِ مَا لَا يَكْفِي
[ ص: 299 ] مِنْهُ فِي غَيْرِهَا ، أَوْ يُرْجِعُ الْبَرَكَةَ إِلَى التَّصَرُّفِ بِهَا فِي التِّجَارَاتِ وَأَرْبَاحِهَا ، أَوْ إِلَى كَثْرَةِ مَا يُكَالُ بِهَا مِنْ غَلَّاتِهَا وَثِمَارِهَا ، أَوْ تُرْجَعُ إِلَى الزِّيَادَةِ فِيمَا يُكَالُ بِهَا لِاتِّسَاعِ عَيْشِهِمْ وَكَثْرَتِهِ ، بَعْدَ ضِيقِهِ لِمَا فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ ، وَوَسَّعَ مِنْ فَضْلِهِ لَهُمْ ، وَمَلَّكَهُمْ مِنْ بِلَادِ الْخِصْبِ وَالرِّيفِ
بِالشَّامِ وَالْعِرَاقِ وَمِصْرَ وَغَيْرِهَا ، حَتَّى كَثُرَ الْحَمْلُ إِلَى
الْمَدِينَةِ ، وَاتَّسَعَ عَيْشُهُمْ وَصَارَتْ هَذِهِ الْبَرَكَةُ فِي الْكَيْلِ نَفْسِهِ ، فَزَادَ مُدُّهُمْ وَصَارَ هَاشِمِيًّا ، مِثْلَ مُدِّ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرَّتَيْنِ أَوْ مَرَّةً وَنِصْفًا ، وَفِي هَذَا كُلِّهِ ظُهُورُ إِجَابَةِ دُعَاءِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَبُولِهِ ، وَاخْتَارَ الْإِمَامُ
النَّوَوِيُّ مِنْ تِلْكَ التَّوْجِيهَاتِ الْبَرَكَةَ فِي نَفْسِ مَكِيلِ
الْمَدِينَةِ ، بِحَيْثُ يَكْفِي الْمُدُّ فِيهَا لِمَنْ لَا يَكْفِيهِ فِي غَيْرٍ كَمَا تَقَدَّمَ ، وَقَالَ
الْقُرْطُبِيُّ : إِذَا وُجِدَتِ الْبَرَكَةُ فِيهَا فِي وَقْتٍ حَصَلَتْ إِجَابَةُ الدَّعْوَةِ ، وَلَا يَسْتَلْزِمُ دَوَامُهَا فِي كُلِّ حِينٍ ، وَلِكُلِّ شَخْصٍ ، وَقَالَ
الطِّيبِيُّ : لَعَلَّ الظَّاهِرَ أَنَّ قَوْلَهُ : وَلِاتِّسَاعِ عَيْشِهِمْ ، إِلَخْ . لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : (
nindex.php?page=hadith&LINKID=10345383اللَّهُمَّ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ عَبْدُكَ وَخَلِيلُكَ وَنَبِيُّكَ ، وَإِنِّي عَبْدُكَ وَنَبِيُّكَ ) وَلَمْ يَقُلْ فِي وَصْفِهِ خَلِيلُكَ أَوْ حَبِيبُكَ تَوَاضُعًا لِرَبِّهِ ، أَوْ تَأَدُّبًا مَعَ جَدِّهِ ( وَأَنَّهُ دَعَاكَ
لِمَكَّةَ ، وَإِنِّي أَدْعُوكَ
لِلْمَدِينَةِ بِمِثْلِ مَا دَعَاكَ ) أَيْ بِهِ كَمَا فِي نُسْخَةٍ (
لِمَكَّةَ ) وَدُعَاءُ إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ ، هُوَ قَوْلُهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=37فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ يَعْنِي وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَرَاتِ ، بِأَنْ تَجْلِبَ إِلَيْهِمْ مِنَ الْبِلَادِ الشَّاسِعَةِ ، لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ النِّعْمَةَ فِي أَنْ يُرْزَقُوا أَنْوَاعَ الثَّمَرَاتِ حَاضِرَةً فِي وَادِيَاتٍ لَيْسَ لَهُمْ فِيهَا نَجْمٌ ، وَلَا شَجَرٌ وَلَا مَاءٌ ، وَلَا جَرَمَ أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ أَجَابَ دَعْوَتَهُ وَجَعَلَهُ كَمَا أَخْبَرَ عَنْهُ بِقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=57أَوَلَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ حَرَمًا آمِنًا يُجْبَى إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ رِزْقًا مِنْ لَدُنَّا وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ وَلَعَمْرِي إِنَّ دُعَاءَ حَبِيبِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اسْتُجِيبَ لَهَا ، وَضَاعَفَ خَيْرَهَا ، بِمَا جَلَبَ إِلَيْهَا فِي زَمَنِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ ، رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ ، مِنْ مَشَارِقِ الْأَرْضِ إِلَى مَغَارِبِهَا ، كَكُنُوزِ
nindex.php?page=showalam&ids=16848كِسْرَى وَقَيْصَرَ وَخَاقَانَ مِمَّا لَا يُحْصَى وَلَا يُحْصَرُ ، وَفِي آخِرِ الْأَمْرِ ، يَأْرِزُ الدِّينُ إِلَيْهَا مِنْ أَقَاصِي الْأَرْضِ وَشَاسِعِ الْبِلَادِ ، كَمَا تَأْرِزُ الْحَيَّةُ إِلَى جُحْرِهَا عَلَى مَا وَرَدَ بِهِ الْخَبَرُ ، وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِ : ( وَمِثْلَهُ مَعَهُ ) وَالضَّمِيرَانِ لِمِثْلِ مَا دَعَاكَ ، ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ الْخَلِيلَ بِمَعْنَى الْفَاعِلٍ ، وَهُوَ مُشْتَقٌّ مِنَ الْخُلَّةِ بِضَمِّ الْخَاءِ ، وَهِيَ الصَّدَاقَةُ وَالْمَحَبَّةُ الَّتِي تَخَلَّلَتِ الْقَلْبَ ، وَتَمَكَّنَتْ فِي خِلَالِهِ ، وَهَذَا صَحِيحٌ بِالنِّسْبَةِ إِلَى قَلْبِ
إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ مِنْ حُبِّ اللَّهِ تَعَالَى ، وَهَذَا هُوَ مَعْنَى قَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=89إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ أَيْ سَالِمٍ عَنْ مَحَبَّةِ مَا سِوَاهُ ، وَقِيلَ : هُوَ مُشْتَقٌّ مِنَ الْخَلَّةِ ، بِالْفَتْحِ وَهِيَ الْحَاجَةُ سُمِّيَ بِذَلِكَ لِانْقِطَاعِهِ إِلَى رَبِّهِ ، وَإِظْهَارِ حَاجَتِهِ إِلَيْهِ وَاعْتِمَادِهِ عَلَيْهِ وَتَسْلِيمِهِ لَدَيْهِ ، حَتَّى قَالَ حِينَ إِلْقَائِهِ فِي النَّارِ لِجِبْرِيلَ حَيْثُ : قَالَ لَهُ : أَلَكَ حَاجَةٌ ؟ أَمَّا إِلَيْكَ ، فَلَا ، قَالَ : فَاسْأَلْ رَبَّكَ ، قَالَ : كَفَى عِلْمُهُ بِالْحَالِ عَنِ السُّؤَالِ بِالْمَقَالِ ، وَإِنَّمَا لَمْ يَذْكُرْ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْخُلَّةَ لِنَفْسِهِ ، مَعَ أَنَّهُ أَيْضًا خَلِيلُ اللَّهِ عَلَى مَا نَصَّ عَلَيْهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ بَلْ هُوَ أَرْفَعُ مِنَ الْخَلِيلِ ، فَإِنَّهُ خُصَّ بِمَقَامِ الْمَحْبُوبِيَّةِ الَّتِي هِيَ أَرْفَعُ مِنْ مَقَامِ الْخُلَّةِ ; لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مَقَامِ الدُّعَاءِ اللَّائِقِ بِهِ ، التَّوَاضُعُ وَالِانْكِسَارُ ، لَا التَّمَدُّحُ وَالِافْتِخَارُ ، وَأَيْضًا رَاعَى
[ ص: 300 ] الْأَدَبَ مَعَ جَدِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، عَلَى أَنَّهُ أَشَارَ إِلَى تَمَيُّزِهِ عَنْهُ بِقَوْلِهِ : وَمِثْلَهُ مَعَهُ ( قَالَ ) أَيْ أَبُو هُرَيْرَةَ ( ثُمَّ يَدْعُو أَصْغَرَ وَلِيدٍ ) أَيْ : أَيَّ صَغِيرٍ ( يَرَاهُ فَيُعْطِيهِ ذَلِكَ الثَّمَرَ ) ، وَفِي نُسْخَةٍ : " وُلَيْدٍ " بِالتَّصْغِيرِ إِشَارَةً إِلَى أَنَّ اخْتِيَارَ الْأَصْغَرِ فَالْأَصْغَرِ لِزِيَادَةِ الْمُبَالَغَةِ ، لَكِنَّ الْمُعْتَمَدَ هُوَ الْأَوَّلُ بِدُونِ " لَهُ " ، قَالَ
مِيرَكْ شَاهْ كَذَا هُوَ فِي رِوَايَةِ هَذَا الْكِتَابِ ، وَمِثْلَهُ فِي رِوَايَةِ
مُسْلِمٍ ، وَفِي رِوَايَةٍ لَهُ فَيُعْطِيهِ أَصْغَرَ مَنْ يَحْضُرُ مِنَ الْوِلْدَانِ ، وَفِي أُخْرَى لِمُسْلِمٍ أَيْضًا : ثُمَّ يَدْعُو أَصْغَرَ وَلِيدٍ لَهُ فَيُعْطِيهِ ، فَحَمَلَ بَعْضُهُمُ الرِّوَايَتَيْنِ الْمُطْلَقَتَيْنِ الْمُتَقَدِّمَتَيْنِ عَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ الْمُقَيَّدَةِ ، كَمَا تَقَرَّرَ فِي الْأُصُولِ مِنْ قَاعِدَةِ حَمْلِ الْمُطْلَقِ عَلَى الْمُقَيَّدِ ، وَمِنْهُمْ مَنْ أَوَّلَ الرِّوَايَةَ الْمُقَيَّدَةَ بِأَنَّ قَوْلَهُ : أَصْغَرُ وَلِيدٍ لَهُ ، يَعْنِي لِلْمُؤْمِنِينَ ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ مِنْ أَهْلِ بَيْتِهِ ، انْتَهَى .
وَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ مَا كَانَ يَعْتَنِي فِي أَنَّهُ يُعْطِيهِ لِأَصْغَرِ وَلَدٍ مِنْ أَهْلِ بَيْتِهِ ، أَوْ مِنْ غَيْرِهِمْ ، وَإِنَّمَا كَانَ بِحَسَبِ مَا اتُّفِقَ لَهُ مِنْ حُضُورِ أَيِّ صَغِيرٍ ظَهَرَ ، نَعَمْ . لَوْ لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ أَحَدٌ مِنَ الصِّغَارِ ، رُبَّمَا يَخُصُّ أَحَدًا مِنْ صِغَارِ أَهْلِ بَيْتِهِ لِقُرْبِهِمْ وَقَرَابَتِهِمْ ، وَأَمَّا مَعَ وُجُودِ صَغِيرٍ آخَرَ فَلَا يُتَصَوَّرُ إِيثَارُ أَحَدٍ مِنْ أَوْلَادِهِ ، عَلَى أَوْلَادِ سَائِرِ أَصْحَابِهِ ، كَمَا هُوَ الْمَعْلُومُ مِنْ كَرِيمِ أَخْلَاقِهِ ، وَحُسْنِ آدَابِهِ ، ثُمَّ تَخْصِيصُ الصِّغَارِ بِبَاكُورَةِ الثِّمَارِ لِلْمُنَاسَبَةِ الْوَاضِحَةِ بَيْنَهُمَا ، مِنْ حُدْثَانِ عَهْدِهِمَا بِالْإِبْدَاعِ ; وَلِأَنَّ الصَّغِيرَ أَرْغَبُ فِيهِ وَأَكْثَرُ تَطَلُّبًا ، وَأَشَدُّ حِرْصًا ، وَلَفْتًا مَعَ مَا فِي إِيثَارِهِ عَلَى الْغَيْرِ مِنْ قَمْعِ الشَّرَهِ الْمُوجِبِ لِتَنَاوُلِهِ ، وَكَسْرِ الشَّهْوَةِ الْمُقْتَضِيَةِ لِذَوْقِهِ ، وَمِنْ أَنَّ النُّفُوسَ الزَّكِيَّةَ لَا تَرْكَنُ إِلَى تَنَاوُلِ شَيْءٍ مِنَ الْبَاكُورَةِ إِلَّا بَعْدَ أَنْ يَعُمَّ وُجُودُهُ ، وَيَقْدِرَ كُلُّ أَحَدٍ عَلَى أَكْلِهِ ، وَفِيهِ بَيَانُ حُسْنِ عِشْرَتِهِ ، وَكَمَالِ شَفَقَتِهِ وَمَرْحَمَتِهِ وَمُلَاطَفَتِهِ مَعَ الْكَبِيرِ وَالصَّغِيرِ ، وَتَنْزِيلُ كُلِّ أَحَدٍ فِي مَقَامِهِ وَمَرْتَبَتِهِ اللَّائِقَةِ بِهِ .