( حدثنا   إسحاق بن موسى الأنصاري  ، أخبرنا  معن  ، أخبرنا  مالك  ، عن  أبي الزناد     ) تقدم ( عن   الأعرج ) اسمه عبد الرحمن أبو داود المزني  اشتهر بهذا اللقب أخرج حديثه الستة ( عن   أبي هريرة  أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : لا يمشين أحدكم ) وفي بعض النسخ لا يمشي ، وهذا نفي صورة ونهي معنى ، وهو أبلغ من النهي الصريح ، وأما قول  العصام  نسخة لا يمشي ، تستدعي حمل لا يمشين على الخبر الواقع موقع النهي ، دون النهي فغير ظاهر ، لنسخة لا يمشي بالنهي ، ثم محل النهي أن يكون من غير ضرورة ، وإلا فلا كراهة كما هو ظاهر ، قال  ابن حجر     : وعليه يحمل ما روي أنه صلى الله عليه وسلم ربما فعله، انتهى ، ويمكن أن يحمل فعله على ما قبل النهي أو على بيان الجواز ( في نعل واحد ) وروي واحدة بالتأنيث ، كما في بعض النسخ ، قال  الحنفي     : والنعل مؤنث ووصفها بالواحد ، وهو مذكر ; لأن تأنيثها غير حقيقي ، انتهى ، والصواب أن تذكيره بتأويل الملبوس، قال  الخطابي     : المشي يشق على هذه الحالة ، مع سماجته في الشكل ، وقبح منظره في العيون ، وقيل : لأنه لم يعدل بين جوارحه ، وربما نسب فاعل ذلك إلى اختلال الرأي وضعفه ، وقال  ابن العربي     : العلة فيه أنها مشية الشيطان ، وقيل : لأنها خارجة عن الاعتدال ، وقال  البيهقي  الكراهة للشهرة فيمتد الإبصار لمن يرى ذلك منه ، وقد ورد النهي عن الشهرة      [ ص: 164 ] في اللباس وكل شيء صير صاحبه مشهورا ، فحقه أن يجتنب كذا حققه  العسقلاني  ، وقال : قد أخرج   ابن ماجه  بلفظ  لا يمشي أحدكم في نعل واحد ، ولا في خف واحد ( لينعلهما جميعا     ) بضم الياء وكسر العين ، وفي نسخة بفتحهما وسكون اللام الثاني، والأول مكسور للأمر ، قال  العسقلاني     : ضبط  النووي  بضم أوله من أنعل ، وتعقبه شيخنا في شرح  الترمذي  ، بأن أهل اللغة قالوا : نعل بفتح العين وحكي كسرها ، وانتعل أي لبس النعل ، لكن قد قال أهل اللغة أيضا أنعل رجله ألبسها نعلا ، وأنعل دابته جعل لها نعلا ، والحاصل إن كان الضمير للقدمين تعين الضم ، وإن كان للنعلين تعين الفتح انتهى ، وأقول إن كان الضمير للقدمين جاز الضم والفتح لما في القاموس ، نعل كفرح وتنعل وانتعل لبسها ، ونعلهم كمنع وهب لهم النعال ، والدابة ألبسها النعل ، كأنعلها ونعلها ، وقد نقل  العصام  عن  العسقلاني     : أنه مع جعل الضمير للقدمين جاز أن يكون مجردا أو مزيدا ، وإن كان للنعلين فهو مجرد ، فاندفع ما ذكر الشارح أنه إن جعل الضمير للقدمين لا يحتمل المجرد ; لأنه لا معنى للبس القدمين ، وبهذا يندفع أيضا ما قال بعضهم لكن قوله ( أو ليخلعهما ) يؤيد ضبط  النووي  فإن الضمير للقدمين ، فالمناسب أن الضمير الذي في قوله لينعلهما للقدمين أيضا .  
وأما قوله : " ليخلعهما " على ما في بعض نسخ الشمائل ورواية  لمسلم     . والموطأ يؤيد الفتح، نعم ، الأظهر في رواية  مسلم  أن الضمير للنعلين ، وفي رواية المتن المطابقة لما في رواية   البخاري  ، أن الضمير للقدمين ، وكلتا الروايتين صحيحة .  
وأما قول  ابن حجر  تبعا  للعصام  ، ورواية : فليخلعهما لا تعين الضمير للنعلين لاحتمال أن فيه حذفا ، أي ليخلع نعليهما فلا يخفى أنه احتمال بعيد ، قال   ابن عبد البر  قوله : لينعلهما أراد القدمين ، وإن لم يجر لهما ذكر ، وهذا مشهور في لغة العرب ، وجاء في القرآن لدلالة السياق عليه انتهى . وكأنه أراد قوله تعالى :  حتى توارت بالحجاب   وقوله سبحانه :  ولو يؤاخذ الله الناس بظلمهم ما ترك عليها من دابة   ثم كلمة أو للتخيير وقوله : ( جميعا ) مؤكد لضمير التثنية في الموضعين بمعنى معا ، وقوله : ليحفهما ضبط في أصلنا بضم الياء وكسر الفاء ، من الإحفاء وهو الإعراء عن النعل والخف ، وقال  الحنفي     : وروي بفتحهما من حفي يحفى من باب علم ، والأول أظهر معنى ; لأن يحفى ليس بمتعد انتهى . وتكلف  ابن حجر  له ، وقال : إنه من الحفاء وهو المشي بلا خف ونعل ، والتعدية حينئذ مجازية والأصل ليحف بهما ، فحذف الجار اختصارا انتهى . يريد أنه من باب الحذف والإيصال ، لكن لا يظهر له معنى حال الانفصال والاتصال ، ثم قال : أو يضمن المجرد معنى المتعدي بلا حذف انتهى . وهو أبعد من الأول في ظهور الحال والمآل ، ثم قيل : إن هذا أمر إرشاد ; لأن  المشي في نعل واحد   لا يأمن العثار ، وأيضا يوجب الاستهزاء به ، ولا ينافي كراهة المشي في نعل واحدة فعل جمع من الصحابة له لاحتمال أنه لعذر ، أو لكون النهي ما بلغهم إن ثبت تأخر فعلهم عن قوله صلى الله عليه وسلم ، قال  ابن حجر     : وقول   ابن سيرين  لا بأس به ، يرده صريح السنة انتهى . وفيه بحث ; لأنه إذا كان الأمر للإرشاد أو للندب فلا بأس بقوله لا بأس لأنه يستعمل في خلاف الأولى ، وفي كراهة التنزيه أيضا ، وذكر في شرح      [ ص: 165 ] السنة أنه قد ورد في الرخصة بالمشي في نعل واحدة أحاديث ، وروي عن  علي   وابن عمر  ، وكان   ابن سيرين  لا يرى بها بأسا انتهى . وكفى بفعل  علي   وابن عمر  جوازا ،   وابن سيرين  من المجتهدين فلا يليق الطعن به ، وألحق بعضهم بذلك إخراج إحدى اليدين من الكم ، وإلقاء الرداء على إحدى المنكبين ،  ولبس نعل في رجل واحد   ، وخف في أخرى ، ذكره في شرح السنة وتعقبه  ابن حجر  بما لا يجدي ، وأما ما أخرجه  مسلم  من طريق  أبي رزين  عن   أبي هريرة  ،  إذا انقطع شسع أحدكم أو شراكه فلا يمش في أحديهما ، بنعل والأخرى حافية ، ليحفهما جميعا  ، فقد قال  ميرك     : هذا لا مفهوم له حتى يدل على الإذن في غير هذه الصورة ، وإنما خرج مخرج الغالب ، ويمكن أن يكون من مفهوم الموافقة ، وهو التنبيه بالأدنى على الأعلى ; لأنه إذا امتنع مع الاحتياج فمع عدمه أولى ، وقال  العسقلاني     : وهذا دال على ضعف ما أخرجه  الترمذي  عن  عائشة  ، قالت :  ربما انقطع شسع رسول الله صلى الله عليه وسلم فمشى في النعل الواحدة ، حتى يصلحها  ، قال  ميرك     : هكذا نقله الشيخ عن جامع  الترمذي  ، ولم أجده بهذا اللفظ في أصل  الترمذي  ، بل فيه من طريق   ليث بن أبي سليم  عن  عبد الرحمن بن القاسم  ، عن أبيه ، عن  عائشة  ، قالت :  ربما مشى رسول الله صلى الله عليه وسلم في نعل واحدة  ، وهكذا أورده صاحب المصابيح ، وصاحب المشكاة ، والشيخ  الجزري  في تصحيح المصابيح ، عن  الترمذي  ، والله أعلم .  
ثم قال : ووجه إدخال هذا الحديث في هذا الباب الإشارة إلى أنه صلى الله عليه وسلم لم يمش على هذه الحالة المنهية عنها أصلا ، وفيه إيماء إلى تضعيف حديث  عائشة  المتقدم ، والله أعلم .  
( حدثنا  قتيبة  عن  مالك  عن  أبي الزناد  ونحوه ) بالنصب أي مثله في المعنى دون اللفظ المتعلق بالمتن ، والأظهر أنه يريد بنحوه ، نحو الإسناد المتقدم ، فكأنه قال إلى آخر الإسناد فلا يرد ما قاله  العصام  من أن حديث  قتيبة  منقطع ومرسل ; لإسقاط   الأعرج  عن الإسناد وإسناد   أبي هريرة  ، نعم كان يكفي أن يقول عن  مالك  ويزيد بهذا الإسناد .  
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					