6599 6600 6601 ص: وقد خالف قوم القولين جميعا؛ فقالوا: بل نقول: إن هذه الآثار كلها لا ينسخ شيء منها شيئا؛ وذلك أن عبد الله بن الحارث أخبر في حديثه أنه أول من سمع النبي -عليه السلام- ينهى عن ذلك قال: "وأنا أول من حدث الناس بذلك" فقد يجوز أن يكون ذلك النهي لم يقع على البول والغائط في جميع الأماكن ووقع على خاص منها وهي الصحاري، ثم جاء أبو أيوب فكانت حكايته عن النبي -عليه السلام- هي النهي [ ص: 207 ] خاصة، فذلك يحتمل ما احتمله حديث ابن جزء على ما فسرناه، وكراهة الاستقبال في الكراييس المذكور فيه، فهو عن رأيه، ولم يحكه عن النبي -عليه السلام-.
فقد يجوز أن يكون سمع من النبي -عليه السلام- ما سمع، فعلم أن النبي -عليه السلام- أراد به الصحاري، ثم حكم هو للبيوت برأيه بمثل ذلك.
ويجوز أن يكون النبي -عليه السلام- أراد البيوت والصحاري إلا أنه ليس في ذلك دليل عن النبي -عليه السلام- يبين لنا أنه أراد أحد المعنيين دون الآخر، وحديث عبد الرحمن بن يزيد عن سلمان وحديث معقل بن أبي معقل وحديث أبي هريرة - رضي الله عنهم - فما منها عن النبي -عليه السلام- فمثل ذلك أيضا.
ثم عدنا إلى ما رويناه في الإباحة، فهذا ابن عمر يقول: "رأيت النبي -عليه السلام- على ظهر بيت مستقبل القبلة" فاحتمل أن يكون ذلك على الإباحة لذلك في البيوت خاصة، فكان أراد به فيما روي عنه في النهي على الصحاري خاصة، فأولى بنا أن نجعل هذا الحديث زائدا على الأحاديث الأول غير مخالف لها، فيكون هذا على البيوت، وتلك الأحاديث الأول على الصحاري، وهذا قول مالك بن أنس .
حدثنا يونس، قال: أنا ابن وهب، أنه سمع مالكا يقول ذلك.
ثم رجعنا إلى حديث أبي قتادة ، ففيه أنه رأى النبي -عليه السلام- يبول مستقبل القبلة، فقد يكون رآه حيث رآه ابن عمر ، فيكون -يعني حديثه، وحديث ابن عمر- سواء، أو يكون رآه في صحراء، فيخالف حديث ابن عمر، ، وينسخ الأحاديث الأول فهو عندنا غير ناسخ لها، حتى نعلم يقينا أنه قد نسخها.
وأما حديث جابر ، ففيه النهي عن رسول الله -عليه السلام- عن استقبال القبلة واستدبارها لغائط أو بول، ولم يبين مكانا، فيحتمل أن يكون ذلك أيضا على ما فسرنا وبينا من حديث أبي أيوب ، - رضي الله عنه - فلا حجة فيها أيضا توجب مضادة حديث ابن عمر ، وأبي قتادة. .
[ ص: 208 ] قال جابر في حديثه: "ثم رأيت رسول الله -عليه السلام- يبول مستقبل القبلة" فقد يحتمل أن يكون ذلك البول كان في المكان الذي لم يكن نهي رسول الله -عليه السلام- الأول وقع عليه.
فلم نعلم شيئا من هذه الآثار نسخ شيئا منها شيء، ثم عدنا إلى حديث عراك ففيه أنه ذكر لرسول الله -عليه السلام- أن أناسا يكرهون استقبال القبلة بفروجهم، . فقال رسول الله -عليه السلام-: "حولوا مقعدتي مستقبل القبلة". فقد يجوز أن يكون أنكر قولهم لأنهم كرهوا ذلك في جميع الأماكن فأمر بتحويل مقعدته نحو القبلة ليرد عليهم، وليعلم أنه لم يقع نهيه عن ذلك، وإنما وقع النهي عن استقبالها في مكان دون مكان.
ويحتمل أن يكون أراد بذلك نسخ النهي الأول في الأماكن كلها؛ لأن النهي كان وقع في الآثار الأول على ذلك، فليس فيه دليل أيضا على نسخ ولا على غيره.
فلما كان حكم هذه الآثار كذلك كان أولى بنا أن نصححها كلها، فنجعل ما فيه النهي منها على الصحاري وما [فيه] الإباحة على البيوت حتى لا يتضاد منها شيء.
وقد حدثنا ابن أبي عمران، ، قال: ثنا إسحاق بن إسماعيل، ، قال: ثنا حاتم بن إسماعيل ( (ح).
وحدثنا يونس، ، قال: أنا ابن وهب، ، عن حاتم، ، عن عيسى بن أبي عيسى الخياط ( ، (ح).
وحدثنا إسماعيل، قال: ثنا عبيد الله بن موسى ، ، ثنا عيسى، ، عن الشعبي: أنه سأله عن اختلاف هذين الحديثين، فقال الشعبي: : صدق والله، أما حديث أبي هريرة ، فعلى الصحاري "إن لله ملائكة يصلون، فلا تستقبلوهم، وإن حشوشكم هذه لا قبلة فيها".
فعلى هذا المعنى تحمل هذه الآثار حتى لا يتضاد منها شيء.
[ ص: 209 ]


