الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                صفحة جزء
                                                6376 ص: وقد جاءت الآثار عن رسول الله -عليه السلام- متواترة في نهيه عن أكل لحوم الحمر الأهلية، فمما روي عنه في ذلك:

                                                ما حدثنا يونس، قال: أنا ابن وهب، قال: أخبرني يونس وأسامة ومالك ، عن ابن شهاب ، عن الحسن وعبد الله ابني محمد بن علي بن أبي طالب -رضي الله عنهم-، عن أبيهما [ ص: 126 ] أنه سمع علي بن أبي طالب يقول لابن عباس -رضي الله . عنهم-: "نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن أكل لحوم الحمر الإنسية، وعن متع النساء يوم خيبر".

                                                التالي السابق


                                                ش: أي وقد جاءت الأحاديث عن النبي -عليه السلام- متكاثرة، وأراد بالتواتر معناه اللغوي لا الاصطلاحي على أنه يمكن أن يقال: أحاديث تحريم الحمر الأهلية مشهورة تلقتها العلماء بالقبول، والمشهور أحد قسمي المتواتر على ما عرف في موضعه، فمن ذلك حديث علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- .

                                                وأخرجه بإسناد صحيح، رجاله كلهم رجال الصحيح، عن يونس بن عبد الأعلى شيخ مسلم ، عن عبد الله بن وهب ، عن يونس بن يزيد الأيلي وأسامة بن زيد ومالك بن أنس، ثلاثتهم عن محمد بن مسلم بن شهاب الزهري ... إلى آخره.

                                                وأخرجه مالك في "موطئه" .

                                                ومسلم: عن يحيى بن يحيى قال: قرأت على مالك ، عن ابن شهاب ... إلى آخره نحوه.

                                                وعن أبي بكر بن أبي شيبة وابن نمير وزهير بن حرب، ثلاثتهم عن سفيان .

                                                وعن ابن نمير ، عن أبيه، عن عبيد الله .

                                                وعن أبي الطاهر وحرملة، كلاهما عن إبراهيم ، عن يونس .

                                                وعن إسحاق وعبد بن حميد، كلاهما عن عبد الرزاق ، عن معمر، كلهم عن الزهري بهذا الإسناد.

                                                فإن قيل: ما وجه الجمع بين تحريم أكل الحمر الأهلية وبين تحريم متعة النساء في وقت واحد وهو زمن خيبر وليس الأمر كذلك؛ فإن تحريم متعة النساء كان زمن الفتح، وزمن خيبر متقدم على زمن الفتح بسنة؟.

                                                [ ص: 127 ] قلت: قال بعضهم يحتمل الحديث التقديم والتأخير كأنه أراد: نهى عن متعة النساء، وعن أكل لحوم الحمر الأهلية يوم خيبر، ويكون الشيء المنهي عنه يوم خيبر أكل لحوم الحمر خاصة، ويكون النهي عن المتعة خارجا عن ذلك موقوفا على وقته بدليله، وهذا تأويل فيه بعد، والصحيح في الحديث ما رواه ابن بكير عن مالك بإسناده، فقال فيه: "نهى عن لحوم الحمر الأهلية يوم خيبر" لم يزد على ذلك.

                                                ورواه الشافعي عن مالك بإسناده، عن علي -رضي الله عنه-: "أن رسول الله -عليه السلام- نهى يوم خيبر عن لحوم الحمر الأهلية" لم يزد على ذلك، وسكت عن قصة المتعة لما علم فيها من الاختلاف.

                                                وذكر سفيان وقال: ثنا الزهري، قال: أخبرني حسن وعبد الله ابنا محمد بن علي -وكان الحسن أرضاهما- عن أبيهما: "أن عليا قال لابن عباس: إن رسول الله -عليه السلام- نهى عن نكاح المتعة وعن لحوم الحمر الأهلية" قال سفيان: يعني عن لحوم الحمر الأهلية زمن خيبر، لا يعني نكاح المتعة.

                                                وقال أبو عمر: على هذا أكثر الناس، وعند الزهري أيضا حديث آخر في هذا الباب، رواه عن الربيع بن سبرة ، عن أبيه قال: "نهى رسول الله -عليه السلام- عن نكاح المتعة يوم الفتح".

                                                وقال آخرون: إنما نهى رسول الله -عليه السلام- عن نكاح المتعة عام حجة الوداع، واحتجوا بما رواه أبو داود: ثنا مسدد، ثنا عبد الرزاق ، عن إسماعيل بن أمية ، عن الزهري قال: "كنا عند عمر بن عبد العزيز، فتذاكرنا متعة النساء، فقال رجل -يقال له: ربيع بن سبرة-: أشهد على أبي أنه حدث عن رسول الله -عليه السلام- أنه نهى عنها في حجة الوداع".

                                                قال أبو داود: وهذا أصح ما روي في ذلك.

                                                [ ص: 128 ] قال أبو عمر: وكان الحسن البصري يقول: إن هذه القصة كانت في عمرة القضاء.

                                                وأما اختلاف العلماء في هذا الباب فقد استوفينا ذكره في "كتاب النكاح".




                                                الخدمات العلمية