الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                صفحة جزء
                                                6855 ص: ففي هذه الآثار إباحة الشرب قائما، وأولى الأشياء إذا روي حديثان عن رسول الله -عليه السلام- فاحتملا الاتفاق واحتملا التضاد أن نحملهما على الاتفاق لا على التضاد، وكان فيما روينا في هذا الفصل عن رسول الله -عليه السلام- إباحة الشرب قائما، وفيما روينا في الفصل الذي قبله النهي عن ذلك؛ فاحتمل أن يكون ذلك النهي لم يرد به هذه الإباحة، ولكن أريد به معنى آخر.

                                                فنظرنا في ذلك، فإذا فهد قد حدثنا، قال: ثنا أبو غسان، قال: ثنا خالد ، عن بيان ، عن الشعبي ، قال: "إنما كره الشرب قائما لأنه داء"، فأخبر الشعبي في هذا بالمعنى الذي من أجله كان النهي، وأنه لما يخاف منه من الضرر وحدوث الداء لا غير ذلك، فأراد رسول الله -عليه السلام- بذلك النهي الإشفاق على أمته، وأمره إياهم بما فيه صلاحهم في دينهم ودنياهم، كما قد قال لهم: "أما أنا فلا آكل متكئا". .

                                                التالي السابق


                                                ش: أراد بهذه الآثار: الأحاديث التي أخرجها عن ستة من الصحابة؛ فإنها تدل على إباحة الشرب قائما، وما رواه في أول الباب عن الجارود وأنس يقتضي كراهة [ ص: 416 ] ذلك، وبينهما تعارض ظاهر، والتوفيق بينهما: أن ما روي مما فيه الكراهة محمول على نهي الإشفاق لا التحريم، وقد أخبر بذلك عامر الشعبي .

                                                أخرجه بإسناد صحيح: عن فهد بن سليمان ، عن أبي غسان مالك بن إسماعيل النهدي ، عن خالد بن عبد الله الطحان ، عن بيان بن بشر الأحمسي البجلي الكوفي ، عن الشعبي قال: "إنما كره الشرب قائما لأنه داء"، فأخبر الشعبي عن علة النهي ما هي؟ وهي خوف الضرر وحدوث الداء لا غير ذلك. فكان قصده -عليه السلام- بذلك النهي الإشفاق على أمته؛ لأنه أرحم من الأب الشفوق، ولا يأمر بشيء ولا ينهى عنه إلا لما فيه صلاح أمته في دينهم ودنياهم، ونظير ذلك ما قال لهم: "أما أنا فلا آكل متكئا" فإن هذا الكلام ليس منه طريق التحريم عليهم أن يأكلوا كذلك، وإنما كره ذلك مخافة أن تعظم بطونهم إشفاقا منه عليهم.




                                                الخدمات العلمية