[ ص: 122 ]  (وما جعله الله إلا بشرى لكم) : (الهاء) : للمدد; وهو الملائكة، أو الوعد، أو الإمداد، ودل عليه: (يمددكم) ، أو التسويم، أو الإنزال، أو للعدد على المعنى; لأن خمسة آلاف عدد. 
(وما النصر إلا من عند الله) يعني: نصر المؤمنين، ولا يدخل فيه نصر الكافرين; لأن ما وقع لهم من غلبة إنما هو إملاء محفوف بخذلان، وسوء عاقبة، وخسران. 
(ليقطع طرفا من الذين كفروا) أي : ولقد نصركم الله ببدر; ليقطع طرفا من الذين كفروا. 
وقيل: المعنى: وما النصر إلا من عند الله; ليقطع طرفا]. 
وقيل: التقدير: ذلك التدبير; ليقطع طرفا، والمراد به: من قتل من المشركين يوم بدر،  عن  الحسن  وغيره. 
 السدي   : يعني: من قتل من المشركين يوم أحد،  وكانوا ثمانية عشر رجلا. 
ومعنى (يكبتهم) : يحزنهم، وأصله - فيما ذكره بعض أهل اللغة-: يكبدهم; أي: يصيبهم بالحزن في أكبادهم، فأبدلت الدال تاء. 
و (الخائب) : المنقطع الأمل. 
 [ ص: 123 ] وقوله: (ليس لك من الأمر شيء) الآية. 
قيل: إن قوله: (أو يتوب عليهم) معطوف على قوله: (ليقطع طرفا) ، وقوله: (ليس لك من الأمر شيء) متعلق بقوله: (وما النصر إلا من عند الله) . 
وقيل: هو على إضمار (أن) ; اكتفاء بالأولى، التقدير: (ليس لك من الأمر شيء، أو من أن يتوب عليهم) . 
وقيل: إن (أو) بمعنى (حتى) و (إلا أن) ، فيكون التأويل: (ليس يكون ما تريده بهم من التوبة أو العذاب إلا أن يشاء الله ذلك) ، ومن جعله على إضمار; فإنما ساغ ذلك; لأن في قوله: (ليس لك من الأمر شيء) دلالة الفعل; لأن (الأمر) مصدر (أمرت) ، فكأنه قال: (ليس لك من أمرهم، أو تأمرهم شيء، ولا من أن يتوبوا) ، فهو كقولك: (كرهت غضبك ويغضب أبوك) في رد الفعل على المصدر. 
وقوله : (ولله ما في السماوات وما في الأرض) : هذا متصل بقوله: (ليس لك من الأمر) . 
((ولله ما في السماوات وما في الأرض)) : دونك ودونهم. 
(يغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء) ، وقوله: (واتقوا النار التي أعدت للكافرين) : قد تقدم القول فيه. 
(وأطيعوا الله والرسول) : ذكر الرسول عليه الصلاة والسلام زيادة في  [ ص: 124 ] التبيين، والتأكيد، والتعريف بأن طاعته طاعة الله عز وجل، وأن طاعة الله في بعض أوامره مع معصية الرسول ليست بطاعة. 
 (وجنة عرضها السماوات والأرض)   : قال  ابن عباس   : تقرن السماوات السبع والأرضون السبع; كما تقرن الثياب بعضها إلى بعض، فذلك عرض الجنة، ولا يصف أحد طولها; لاتساعه، والمعنى: (عرضها كعرض السماوات والأرض) ، كما قال في موضع آخر، فحذف. 
وسألت اليهود  عمر  رضي الله عنه عن هذه الآية، وقالوا: أين تكون النار؟ فقال لهم  عمر  رضي الله عنه: (أرأيتم إذا جاء الليل فأين يكون النهار؟ وإذا جاء النهار فأين يكون الليل؟) ، فقالوا له: لقد نزعت بما في التوراة. 
وروي نحو ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم. 
وقوله: (أعدت للمتقين) : لا يمتنع أن يدخلها من لا يستحق هذه الصفة من الأطفال والمجانين; لأنهم تبع للمكلفين. 
(الذين ينفقون في السراء والضراء) : قال  ابن عباس   : أي: في اليسر والعسر. 
 [ ص: 125 ]  (والكاظمين الغيظ) أي: الحابسونه، وأصله: من (كظمت القربة) ; إذا ملأتها، ثم شددتها. 
(والعافين عن الناس) أي: إذا جهلوا عليهم. 
أبو العالية: (الناس) ههنا: المماليك. 
(والله يحب المحسنين) أي: يثيبهم على إحسانهم. 
(والذين إذا فعلوا فاحشة) : (الفاحشة) ههنا: الزنا، عن  جابر بن عبد الله  وغيره. 
وقيل: إن الآية نزلت في نبهان التمار،  ضرب على عجز امرأة، ثم ندم على ذنبه، فأعلمه النبي عليه الصلاة والسلام بها حين نزلت، فقال: يا رسول الله؛ قبل الله توبتي، فكيف حتى يتقبل شكري؟ فأنزل الله تعالى: وأقم الصلاة طرفي النهار وزلفا من الليل إن الحسنات يذهبن السيئات )    [هود: 114]. 
وقوله: (أو ظلموا أنفسهم) قيل: يعني به الصغائر. 
(ذكروا الله) أي: ذكروه بالاستغفار، وقيل: ذكروا عقابه. 
(ولم يصروا على ما فعلوا وهم يعلمون) : أصل (الإصرار) في اللغة: اعتقاد الشيء، وهو من الصر على الشيء; أي: الربط. 
 [ ص: 126 ]  قتادة   : الإصرار على الذنب: الإقامة عليه. 
 مجاهد   : لم يصروا: لم يمضوا. 
 الحسن   : هو فعل الذنب من غير توبة. 
(وهم يعلمون) أي: يعلمون أنهم إن تابوا تاب الله عليهم. 
وقيل: وهم يعلمون أن ما أتوه معصية. 
وقيل: لم يقيموا على ترك الاستغفار، وهم يعلمون أنهم قد أذنبوا. 
وفي الخبر: أن الصحابة رضي الله عنهم قالوا: يا رسول الله، بنو إسرائيل كانوا أكرم على الله منا، كانوا إذا أذنب أحدهم أصبحت كفارة ذنبه مكتوبة على عتبة بابه: اقطع أذنك، اجدع أنفك، افعل كذا، فنزلت الآيات. 
(قد خلت من قبلكم سنن) يعني: ما خلا في عاد،  وثمود،  وغيرهم، عن  الحسن  وغيره. 
 الزجاج   : هو على حذف المضاف، المعنى: أهل سنن، و (السنن) : جمع سنة; وهي الطريقة التي يقتدى بها. 
(هذا بيان للناس) يعني: القرآن، عن  الحسن  ، وغيره. 
وقيل: هو إشارة إلى ما تقدم ذكره من قوله: (قد خلت من قبلكم سنن) . 
 [ ص: 127 ]  (ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون) : (الوهن) : الضعف، وهذا تسلية من الله تعالى لنبيه عليه الصلاة والسلام والمؤمنين; بما نالهم يوم أحد. 
وقيل: نزل ذلك حين أشرف خالد بن الوليد [على النبي عليه الصلاة والسلام والمسلمين]، وهم في الشعب، ودعا النبي عليه الصلاة والسلام، وثاب رماة من المسلمين فصعدوا الجبل، فكشفوا المشركين عنه، وصعد المسلمون الجبل. 
(إن كنتم مؤمنين) أي: إن كنتم مؤمنين بصدق وعدي. 
(إن يمسسكم قرح) : (القرح) : الجرح، والفتح والضم فيه لغتان بمعنى، وقيل: هو بالفتح: الجرح، وبالضم: ألمه، والمعنى: إن يمسسكم يوم أحد قرح; فقد مس القوم يوم بدر قرح مثله. 
(وتلك الأيام نداولها بين الناس) أي: نصرفها مرة لقوم، ومرة عليهم، و (الدولة) : الكرة. 
(وليعلم الله الذين آمنوا) أي: ليعلم صبرهم العلم الذي يقع به الجزاء داولها بينهم. 
(ويتخذ منكم شهداء) أي: يكرمكم بالشهادة. 
(والله لا يحب الظالمين) أي: لم يغلبوكم لمحبته إياهم. 
 [ ص: 128 ]  (وليمحص الله الذين آمنوا) : أصل (التمحيص) : التخليص. 
قال الخليل: (المحص) : الخلوص من العيب، ومعنى: (محص عنا ذنوبنا) ; أي: أذهبها، فهو تخليص الحسنات بتكفير السيئات، فمعنى (يمحصهم) : يخلصهم من الذنوب، وهو قول  الزجاج   . 
 ابن عباس  ،  ومجاهد  ، وغيرهما: المعنى: وليبتلي الله الذين آمنوا، ومعناه: ليخلصهم، بالابتلاء. 
(ويمحق الكافرين) أي: يهلكهم. 
 الفراء   : (هو على حذف المضاف ، المعنى: وليمحص الله ذنوب الذين آمنوا) . 
				
						
						
