الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      التفسير:

                                                                                                                                                                                                                                      قوله ت عالى يبين لكم على فترة من الرسل : (الفترة) : ما بين نبيين، وكانت الرسل متواترة بين موسى وعيسى (عليهم السلام، ثم انقطع الوحي إلى أن بعث النبي صلى الله عليه وسلم، وكان بين عيسى و محمد] عليهما الصلاة والسلام - فيما روي - ست مئة سنة، عن الحسن، وقتادة.

                                                                                                                                                                                                                                      الضحاك : أربع مئة وبضع وستون سنة.

                                                                                                                                                                                                                                      أن تقولوا ما جاءنا من بشير ولا نذير أي : كراهة أن تقولوا ذلك.

                                                                                                                                                                                                                                      قال ابن عباس : قال معاذ بن جبل، وسعد بن عبادة، وعقبة بن وهب [ ص: 440 ] لليهود: يا معشر يهود; اتقوا الله ربكم، فوالله إنكم لتعلمون أن محمدا رسول الله، ولقد كنتم تذكرونه لنا قبل مبعثه، وتصفونه بصفته، فقالوا: ما أنزل الله من كتاب بعد موسى، ولا أرسل بعده من بشير ولا نذير، فنزلت الآية.

                                                                                                                                                                                                                                      والله على كل شيء قدير أي: قدير على إرسال من شاء من خلقه، وقيل: قدير على إنجاز ما بشر به، وأنذر منه.

                                                                                                                                                                                                                                      وإذ قال موسى لقومه : أي: اذكروا إذ قال موسى لقومه.

                                                                                                                                                                                                                                      يا قوم اذكروا نعمة الله عليكم إذ جعل فيكم أنبياء وجعلكم ملوكا : قال ابن عباس ، ومجاهد : جعلهم ملوكا بالمن، والسلوى، والحجر، والغمام، وعن ابن عباس أيضا: يعني: الخادم، والمنزل، وقاله مجاهد ، وزاد: الزوجة.

                                                                                                                                                                                                                                      قتادة: كانوا أول من ملك الخدم.

                                                                                                                                                                                                                                      الحسن : ملكوا أنفسهم بالتخلص من القبط الذين كانوا يستعبدونهم. السدي: ملكوا أنفسهم، وأهليهم، وأموالهم.

                                                                                                                                                                                                                                      وآتاكم ما لم يؤت أحدا من العالمين : الخطاب لبني إسرائيل، عن ابن عباس ، والحسن، وغيرهما.

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 441 ] قال الحسن : عالمي زمانهم.

                                                                                                                                                                                                                                      ابن جبير ، وأبو مالك : الخطاب لأمة محمد صلى الله عليه وسلم.

                                                                                                                                                                                                                                      و الأرض المقدسة : أرض بيت المقدس، عن ابن عباس ، والسدي، وغيرهما.

                                                                                                                                                                                                                                      قتادة : الشام.

                                                                                                                                                                                                                                      الزجاج: دمشق، وفلسطين، وبعض الأردن .

                                                                                                                                                                                                                                      مجاهد : أرض الطور.

                                                                                                                                                                                                                                      ولا ترتدوا على أدباركم أي: لا ترجعوا عن الأرض التي أمرتم بدخولها، وقيل: لا ترجعوا عن طاعة الله إلى معصيته.

                                                                                                                                                                                                                                      إن فيها قوما جبارين : (الجبار) : المتعظم، الممتنع من الذل والقهر، وأصله: من الإجبار; وهو الإكراه، كأنه يجبر غيره على ما يريده.

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل : هو مأخوذ من جبر العظم; فأصل (الجبار) : المصلح أمر نفسه، ثم استعمل في كل من جر لنفسه نفعا بحق أو باطل.

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل: إن جبر العظم راجع إلى معنى الإكراه.

                                                                                                                                                                                                                                      الضحاك : (جبارين) : سفلة، لا خلاق لهم.

                                                                                                                                                                                                                                      قال ابن عباس : لما بعث موسى من قومه اثني عشر نقيبا; ليخبروه [ ص: 442 ] خبرهم; رآهم رجل من الجبارين، فأخذهم في كمه مع فاكهة كان قد حملها من بستانه، وجاء بهم إلى الملك، فنثرهم بين يديه، وقال له: إن هؤلاء يريدون قتالنا، فقال لهم الملك: ارجعوا إلى صاحبكم، فأخبروه خبرنا.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: وإنا لن ندخلها حتى يخرجوا منها قالوا ذلك خوفا من الجبارين، ولم يقصدوا العصيان; لأنهم قالوا: فإن يخرجوا منها فإنا داخلون .

                                                                                                                                                                                                                                      قال رجلان من الذين يخافون : قال ابن عباس ، وغيره: هما يوشع بن نون، وكالب بن يوقنا ، وهما من النقباء.

                                                                                                                                                                                                                                      الضحاك : هما رجلان كانا في مدينة الجبارين على دين موسى.

                                                                                                                                                                                                                                      ومن قرأ: (يخافون) ; فهما من الجبارين. 50 ومعنى أنعم الله عليهما : أنعم عليهما بالإسلام، ورجع كل واحد من النقباء - فيما روي - بنهي سبطه عن قتال الجبارين، سوى الرجلين المذكورين.

                                                                                                                                                                                                                                      فاذهب أنت وربك فقاتلا أي: فاذهب أنت فقاتل، وليعنك ربك.

                                                                                                                                                                                                                                      قال رب إني لا أملك إلا نفسي وأخي : [يجوز أن يكون أخبر] أنه لا يملك إلا نفسه وأخاه; لأن أخاه كان يطيعه، ويجوز أن يكون المعنى: قال رب إني لا أملك إلا نفسي ، ثم ابتدأ فقال: (وأخي) ; أي: وأخي أيضا لا يملك إلا نفسه، [ ص: 443 ] فـ (أخي) على القول الأول في موضع نصب، وعلى الثاني في موضع رفع، ويجوز أن يكون منصوبا على العطف على الياء في (إني) ; أي: إني وأخي لا نملك إلا أنفسنا، [ويجوز أن يكون رفعا على العطف على ما في (لا أملك) ; كأنه قال: لا أملك أنا وأخي إلا أنفسنا].

                                                                                                                                                                                                                                      فافرق بيننا وبين القوم الفاسقين أي: فاقض بيننا وبينهم، عن الضحاك.

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل : معناه : باعد بيننا وبينهم بعصمتك إيانا من العصيان الذي ابتليتهم به.

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل: إنما أراد في الآخرة; أي: اجعلنا في الجنة، ولا تجعلنا معهم في النار.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: قال فإنها محرمة عليهم أربعين سنة يتيهون في الأرض : (أربعين سنة) : ظرف للتيه في قول الحسن، وقتادة، قالا: ولم يدخلها أحد منهم، فالوقف على هذا على (عليهم) .

                                                                                                                                                                                                                                      وقال الربيع بن أنس، وغيره: (أربعين سنة) ظرف للتحريم، فالوقف على هذا على (أربعين سنة) ، وقوله: (يتيهون في الأرض) : في موضع الحال.

                                                                                                                                                                                                                                      وأصل (التيه) في اللغة: الحيرة، و (الأرض التيهاء) : التي لا يهتدى فيها. وروي عن ابن عباس : أن موسى عليه السلام مات في التيه.

                                                                                                                                                                                                                                      وقال غيره: نبأ الله يوشع بن نون، وأمره بقتال الجبارين.

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 444 ] وقال الحسن : لم يمت موسى في التيه.

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل : إن قتل موسى لعوج، وفتح مدينة الجبارين; لم يشهده أحد من

                                                                                                                                                                                                                                      الذين ضرب عليهم التيه، إنما شهده أبناؤهم.

                                                                                                                                                                                                                                      قال وهب: لما نظر عوج إلى عسكر موسى ـ عليه السلام ـ اقتلع صخرة من الأرض على قدرهم، واحتملها; ليرسلها عليهم; فبعث الله الهدهد ومعه قطعة من ماس، فأدارها على الصخرة تلقاء رأسه، فسقط موضع التقوير في عنقه، وضربه موسى بعصاه في العرق الذي تحت كعبه، فخر ميتا.

                                                                                                                                                                                                                                      فلا تأس على القوم الفاسقين : قيل: هو خطاب لموسى، وقيل : لمحمد صلى الله عليه وسلم، والمعنى: لا تحزن على هلاكهم; لفسقهم.

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية