الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      قل يا أهل الكتاب لستم على شيء حتى تقيموا التوراة والإنجيل الآية.

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 486 ] قال ابن عباس: جاء جماعة من اليهود إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقالوا له: ألست تقر أن التوراة حق من عند الله ؟ قال: "بلى"، قالوا: فإنا نؤمن بها، ولا نؤمن بما عداها، فنزلت الآية.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: فريقا كذبوا وفريقا يقتلون : عطف بالمستقبل على الماضي; ليدل على أن ذلك من شأنهم، وقيل: لأنه بمعنى: فريقا كذبوا ولم يقتلوه، وفريقا كانوا يقتلون، فـ (يقتلون): نعت لـ(فريق) .

                                                                                                                                                                                                                                      وحسبوا ألا تكون فتنة : المعنى: ظن هؤلاء الذين أخذ عليهم الميثاق أنه لا يقع من الله عز وجل ابتلاء واختبار بالشدائد، وقيل: إنما حسبوا ذلك لقولهم: نحن أبناء الله وأحباؤه [المائدة: 18].

                                                                                                                                                                                                                                      فعموا أي: عن الهدى، وصموا أي: عن سماع الحق; لأنهم لم ينتفعوا بما رأوه وسمعوه.

                                                                                                                                                                                                                                      ثم تاب الله عليهم : بأن بعث إليهم محمدا صلى الله عليه وسلم، يخبرهم بأن الله يتوب عليهم إن آمنوا.

                                                                                                                                                                                                                                      ثم عموا وصموا : بعد أن بين لهم»، وأوضح لهم الحجة.

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 487 ] وقوله: كثير منهم : مذكور في الإعراب.

                                                                                                                                                                                                                                      لقد كفر الذين قالوا إن الله هو المسيح ابن مريم : هذا قول الفرقة التي تسمى اليعقوبية من النصارى، وقوله: لقد كفر الذين قالوا إن الله ثالث ثلاثة : هذا قول فرق النصارى كلها ; لأنهم يقولون: (أب، وابن، وروح القدس: إله واحد)، ولا يقولون: ثلاثة آلهة، وذلك لازم لهم; لأنهم يقولون: إن الأب إله، والابن إله، وروح القدس إله.

                                                                                                                                                                                                                                      أفلا يتوبون إلى الله : تقرير، وتوبيخ.

                                                                                                                                                                                                                                      ما المسيح ابن مريم إلا رسول قد خلت من قبله الرسل وأمه صديقة كانا يأكلان الطعام : هذا احتجاج على النصارى بأن من ولدته النساء وكان يأكل الطعام مخلوق كسائر المخلوقين، لا يكون إلها; لأنه يحتاج إلى مدبر.

                                                                                                                                                                                                                                      وقال بعض المفسرين في قوله: (كانا يأكلان الطعام): إنه كناية عن الغائط والبول.

                                                                                                                                                                                                                                      انظر كيف نبين لهم الآيات أي: العلامات، ثم انظر أنى يؤفكون أي: ثم انظر من أين يصرفون عن قبولها؟

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 488 ] قل أتعبدون من دون الله ما لا يملك لكم ضرا الآية.

                                                                                                                                                                                                                                      يعني: أنهم قد علموا أن عيسى عليه السلام كان في حال من أحواله لا يرى، ولا يسمع، فكيف يعبدون من كانت هذه حاله في حال من أحواله، والله تعالى لم يزل سميعا بصيرا عليما، ولا يزال كذلك ؟!

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل: المعنى: والله هو السميع لاستغفارهم، العليم بتوبتهم إن تابوا.

                                                                                                                                                                                                                                      ولا تتبعوا أهواء قوم قد ضلوا من قبل : قال مجاهد، والحسن: يعني:

                                                                                                                                                                                                                                      اليهود، وأضلوا كثيرا : [أي: وأضلوا كثيرا ] من الناس.

                                                                                                                                                                                                                                      وضلوا عن سواء السبيل أي: عن قصد طريق محمد صلى الله عليه وسلم . وتكرير (ضلوا) على معنى: أنهم ضلوا من قبل، وضلوا من بعد.

                                                                                                                                                                                                                                      لعن الذين كفروا الآية.

                                                                                                                                                                                                                                      قال ابن عباس: الذين لعنوا على لسان داود: أصحاب السبت، والذين لعنوا على لسان عيسى: الذين كفروا بالمائدة بعد نزولها، وروي نحوه عن النبي صلى الله عليه وسلم .

                                                                                                                                                                                                                                      مجاهد، وقتادة، وغيرهما: لعنهم على لسان داود: أنهم مسخوا قردة، ولعنهم على لسان عيسى: أنهم مسخوا خنازير.

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 489 ] ترى كثيرا منهم يتولون الذين كفروا أي: ترى كثيرا من المنافقين يتولون اليهود، عن مجاهد.

                                                                                                                                                                                                                                      الحسن: ترى كثيرا من اليهود يتولون المشركين.

                                                                                                                                                                                                                                      لبئس ما قدمت لهم أنفسهم أي: سولت، وقيل: المعنى: لبئس ما قدموا لأنفسهم ومعادهم سخط الله عليهم، ويجوز أن يكون التقدير: لأن سخط الله عليهم .

                                                                                                                                                                                                                                      ولو كانوا يؤمنون بالله والنبي : (النبي) يعنى به: محمد صلى الله عليه وسلم، وقيل: موسي عليه السلام.

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية