الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: (وأن تجمعوا بين الأختين إلا ما قد سلف) : [أي: إلا ما قد سلف ] ; فإنه مغفور لكم، فلا تفعلوه الآن; فإنه حرام.

                                                                                                                                                                                                                                      ولا خلاف بين العلماء في تحريم الجمع بين الأختين بالنكاح في عقد واحد، وحكمه في ملك اليمين عند أكثر العلماء كحكمه في النكاح، ومن كانت عنده أختان مملوكتان قد وطئ إحداهما; لم يكن له وطء الأخرى حتى تحرم الأولى بما تحرم به عليه; من بيع، أو نكاح، أو غير ذلك، فإن وطئ الثانية; وقف عن وطئهما جميعا حتى يحرم فرج واحدة منهما بوطء، أو نكاح، أو عتق إلى أجل، أو غير ذلك مما تحرم به عليه، فإن حرم وطء الثانية; أقام على وطء الأولى، [ ص: 228 ] وإن حرم الأولى; لم يطأ الثانية حتى يستبرئ ; لفساد وطئه، هذا مذهب مالك ، والشافعي، وأكثر العلماء.

                                                                                                                                                                                                                                      وقد روي عن ابن عباس أنه قال: أحلتهما آية، وحرمتهما آية، ولم أكن أفعله; يعني: الجمع بين الأختين بملك اليمين، وإحدى الآيتين: (وأن تجمعوا بين الأختين إلا ما قد سلف) ، والأخرى: (وأحل لكم ما وراء ذلكم أن تبتغوا بأموالكم) [النساء: 24) ، وكذلك قوله: (إلا ما ملكت أيمانكم) .

                                                                                                                                                                                                                                      وقال النخعي، وحماد: من كانت عنده أختان مملوكتان; فلا يقرب واحدة منهما.

                                                                                                                                                                                                                                      وقال قتادة: إذا غشي إحداهما، ثم أراد أن يغشى الثانية; اعتزل الأولى، ولم يطأ الأخرى حتى تنقضي عدة الأولى، ثم إن شاء; غشي الأخرى، بعد أن يضمر في نفسه ألا يقرب أختها.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: (وأخواتكم من الرضاعة) : مذهب مالك : أن قليل الرضاع وكثيره يحرم، وهو مذهب أبي حنيفة ، وأصحابه، وغيرهم.

                                                                                                                                                                                                                                      الشافعي: الذي يحرم من الرضاع: خمس رضعات، وعن عائشة ـ رضي الله عنها ـ نحوه، [ ص: 229 ] وعنها أيضا أنها قالت: (لا يحرم إلا سبع رضعات) ، وعنها أيضا: أنها أمرت أم كلثوم أختها أن ترضع سالم بن عبد الله عشر رضعات.

                                                                                                                                                                                                                                      ابن حنبل، وإسحاق، وغيرهما: لا تحرم الرضعة ولا الرضعتان.

                                                                                                                                                                                                                                      والرضاع يحرم في الحولين بإجماع، ولا رضاع بعد الحولين عند الشافعي، والثوري، وابن حنبل، وغيرهم، وروي نحو ذلك عن مالك .

                                                                                                                                                                                                                                      وروي عنه أيضا: أن ما كان بعد الحولين بشهر أو شهرين ولم يفصل; فهو من الحولين.

                                                                                                                                                                                                                                      وفي رواية أخرى: ما زاد على الحولين بشهر، وفي أخرى: بأيام يسيرة.

                                                                                                                                                                                                                                      وثبت: أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال: "يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب"، فلا يجوز أن يتزوج الرجل من الرضاعة من يحرم عليه من النسب، ولا تحل العمة من الرضاعة، ولا الخالة من الرضاعة، ولا بنت الأخ، ولا بنت الأخت من الرضاعة، ولا ما أشبه ذلك، ولا يجمع بين الأختين من الرضاعة، ولا بين [ ص: 230 ] المرأة وعمتها، ولا المرأة وخالتها من الرضاعة.

                                                                                                                                                                                                                                      ويدخل في قول الله تعالى: (حرمت عليكم أمهاتكم) : كل امرأة نال الإنسان منها ولادة وإن علت، وفي (وبناتكم) : كل امرأة نالتها منه ولادة وإن سفلت، ويدخل في (عماتكم) (وخالتكم) : عمة العمة، وخالة الخالة فما علا، وفي (وبنات الأخ وبنات الأخت) : ما جرى هذا المجرى.

                                                                                                                                                                                                                                      وكل امرأتين لو كانت إحداهما ذكرا لم تحل له الأخرى لا يجوز الجمع بينهما، هذا حكم ذوات المحارم من النسب والرضاع.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله تعالى: (والمحصنات من النساء إلا ما ملكت أيمانكم) : قال علي والخدري رضي الله عنهما: هن من ذوات الأزواج لا تحل واحدة منهن إلا أن تسبى.

                                                                                                                                                                                                                                      وقال الخدري: أصبنا سبايا يوم أوطاس، فكرهنا أن نقع عليهن، فسألنا رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ عن ذلك; فنزلت الآية.

                                                                                                                                                                                                                                      وعن أبي بن كعب، وابن مسعود، وغيرهما: أنهن الإماء ذوات الأزواج، إذا استؤنف عليهن الملك; كان فسخا لنكاحهن، وكذلك قال ابن المسيب ، والحسن، ومجاهد : إن بيع الأمة طلاقها.

                                                                                                                                                                                                                                      ومذهب مالك ، والشافعي، وابن حنبل، وغيرهم: أن بيع الأمة لا يكون طلاقا.

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 231 ] أبو العالية: (المحصنات) : ههنا: العفائف اللواتي أحصنهن عفافهن، وهو مردود إلى قوله تعالى: ( فانكحوا ما طاب لكم من النساء) .

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل: (المحصنات) ههنا: جميع النساء، ولا يحللن إلا بنكاح أو ملك يمين.

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل: معناه: وحرم عليكم المحصنات إلا ما ملكت أيمانكم; يعني:

                                                                                                                                                                                                                                      الأربع; فحرم ما فوق الأربع.

                                                                                                                                                                                                                                      و (الإحصان) في القرآن يكون: إما بالإسلام، وإما بالحرية، وإما بالعفاف، وإما بالتزويج، وأصله: المنع، وهو يكون بالوجوه الأربعة.

                                                                                                                                                                                                                                      (وأحل لكم ما وراء ذلكم أن تبتغوا بأموالكم) : قال السدي وغيره: يعني: النكاح فيما دون الخمس.

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل: معناه: أحل لكم ما وراء ذوات المحارم من أقربائكم.

                                                                                                                                                                                                                                      قتادة: يعني بـ (ذلك) : ملك اليمين خاصة.

                                                                                                                                                                                                                                      وقال بعض أهل العلم ممن يرى نسخ القرآن بالسنة: نسخ الله من هذا على لسان نبيه ـ عليه الصلاة والسلام ـ الجمع بين المرأة وعمتها، وبين المرأة وخالتها، والعمتين، والخالتين، وما حرمه على لسانه من جهة الرضاع].

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية