الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      والله أركسهم بما كسبوا أي: ردهم إلى حكم الكفار، عن ابن عباس .

                                                                                                                                                                                                                                      قتادة : أهلكهم، وقيل : أضلهم.

                                                                                                                                                                                                                                      وحكى الفراء، والكسائي : (أركسهم) و (ركسهم) بمعنى: ردهم إلى

                                                                                                                                                                                                                                      الكفر.

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 327 ] ومن يضلل الله فلن تجد له سبيلا أي: طريقا مستقيما.

                                                                                                                                                                                                                                      فإن تولوا فخذوهم أي: إن تولوا عن الهجرة في سبيل الله.

                                                                                                                                                                                                                                      إلا الذين يصلون إلى قوم بينكم وبينهم ميثاق : قال الحسن : نزلت في بني مدلج، كان بينهم وبين قريش عهد، وكان بين قريش وبين رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ عهد.

                                                                                                                                                                                                                                      عكرمة : نزلت في هلال بن عويمر، وسراقة بن مالك بن جعشم، وخزيمة بن عامر بن عبد مناف، كان بينهم وبين النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ عهد.

                                                                                                                                                                                                                                      أبو عبيدة : معنى (يصلون) : ينتسبون، وأنكره العلماء; لأن النسب لا

                                                                                                                                                                                                                                      يمنع من قتال الكفار وقتلهم.

                                                                                                                                                                                                                                      أو جاءوكم حصرت صدورهم أن يقاتلوكم أي: ضاقت صدورهم عن قتالكم وقتال قومهم، قاله السدي، والحسن.

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 328 ] وهو حال على معنى: قد حصرت، وهو عند المبرد بمعنى الدعاء ، وعند الزجاج : خبر بعد خبر .

                                                                                                                                                                                                                                      ومعنى اتصاله بما قبله: اقتلوا المنافقين الذين اختلفتم فيهم إن لم يهاجروا، إلا أن يتصلوا بمن بينكم وبينه ميثاق; فيدخلوا فيما دخلوا فيه، فلهم حكمهم، وإلا الذين جاؤوكم قد حصرت صدورهم عن أن يقاتلوكم، أو يقاتلوا قومهم، فدخلوا فيكم; فلا تقتلوهم.

                                                                                                                                                                                                                                      السدي: إن أظهروا كفرهم; فاقتلوهم; يعني: المنافقين، إلا أن يتصلوا

                                                                                                                                                                                                                                      بمن بينكم وبينه عهد .

                                                                                                                                                                                                                                      ومعنى وألقوا إليكم السلم : الاستسلام، وقيل : الصلح، وقيل: الإسلام.

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 329 ] ولو شاء الله لسلطهم عليكم أي: لأذن لهم في قتالكم، وقيل: لقوى قلوبهم على قتالكم.

                                                                                                                                                                                                                                      ستجدون آخرين يريدون أن يأمنوكم ويأمنوا قومهم : قال السدي: نزلت في نعيم بن مسعود، كان يأمن المسلمين والمشركين.

                                                                                                                                                                                                                                      قتادة: نزلت في قوم من أهل تهامة، طلبوا الأمان من النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ليأمنوا عنده وعند قومهم.

                                                                                                                                                                                                                                      مجاهد : هي في قوم من أهل مكة.

                                                                                                                                                                                                                                      الحسن : في قوم من المنافقين.

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل: نزلت في أسد وغطفان، قدموا المدينة، فأسلموا، ثم رجعوا إلى

                                                                                                                                                                                                                                      ديارهم، فأظهروا الكفر.

                                                                                                                                                                                                                                      كل ما ردوا إلى الفتنة أركسوا فيها أي: إلى الاختبار في إظهار الكفر; رجعوا فيه.

                                                                                                                                                                                                                                      ومعنى جعلنا لكم عليهم سلطانا مبينا أي: حجة بينة، عن السدي، وعكرمة.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: لا يستوي القاعدون من المؤمنين غير أولي الضرر الآية.

                                                                                                                                                                                                                                      قال ابن عباس : المعنى: لا يستوي القاعدون عن بدر، والخارجون إليها.

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 330 ] غير أولي الضرر : غير أولي الزمانة، ويروى: أنه لما نزل لا يستوي القاعدون من المؤمنين غير أولي الضرر والمجاهدون في سبيل الله الآية; قام ابن أم مكتوم إلى النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ فشكا زمانته، فنزلت: غير أولي الضرر .

                                                                                                                                                                                                                                      واستدل القائلون بأن الغنى أفضل من الفقر بهذه الآية.

                                                                                                                                                                                                                                      وكلا وعد الله الحسنى يعني : المجاهدين، وأولي الضرر، و (الحسنى) : الجنة.

                                                                                                                                                                                                                                      وفضل الله المجاهدين على القاعدين أي: من غير ضرر.

                                                                                                                                                                                                                                      و تكرير تفضيل المجاهدين; لأن الأول فيه الجهاد بالنفس والمال ، والثاني: جهاد على الإطلاق; فهما مختلفان.

                                                                                                                                                                                                                                      ابن جريج: الأول: تفضيلهم على أهل الضرر بدرجة واحدة، والثاني :

                                                                                                                                                                                                                                      تفضيلهم على غير أهل الضرر.

                                                                                                                                                                                                                                      أجرا عظيما أي: درجات كثيرة.

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 331 ] درجات منه أي: بعضها فوق بعض.

                                                                                                                                                                                                                                      قتادة: هي درجات الأعمال: الإسلام، والهجرة، والجهاد.

                                                                                                                                                                                                                                      ابن محيريز: درجات الثواب في الجنة.

                                                                                                                                                                                                                                      إن الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم الآية; أي: تقبض أرواحهم، الحسن : تحشرهم إلى النار.

                                                                                                                                                                                                                                      الضحاك : هؤلاء قوم أظهروا الإسلام، ولم يهاجروا، وخرجوا إلى بدر مع المشركين، فقتلوا .

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله : قالوا فيم كنتم أي: قالت لهم الملائكة: أكنتم في أصحاب رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ أم مشركين؟ وهو سؤال توبيخ.

                                                                                                                                                                                                                                      وخبر : (إن) قوله: قالوا فيم كنتم ; على معنى: قالوا لهم: فيم كنتم؟، وقيل : الخبر: فأولئك مأواهم جهنم ، وقيل : الخبر محذوف، والمعنى: هلكوا أو نحوه.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله : إلا المستضعفين من الرجال : قال مجاهد : هم قوم ثبتوا على [ ص: 332 ] الإسلام، ولم يقدروا على الهجرة.

                                                                                                                                                                                                                                      فأولئك عسى الله أن يعفو عنهم : (عسى) : من الله واجبة، وكذلك هي في جميع القرآن، إلا في قوله : عسى ربه إن طلقكن في (التحريم) [5] .

                                                                                                                                                                                                                                      وروي : أن المسلمين كتبوا بقوله: إن الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم ، إلى من بمكة من المسلمين; فخرجوا مهاجرين، فلحقهم قوم من المشركين، وفتنوهم ، فسموا مستضعفين.

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل: إن المراد بـ (المستضعفين) : الشيوخ، والزمنى، ومن لا يقدر على

                                                                                                                                                                                                                                      الهجرة.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: ولا يهتدون سبيلا أي: لا يجدون طريقا إلى المدينة.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: ومن يهاجر في سبيل الله الآية.

                                                                                                                                                                                                                                      قال ابن جبير : نزلت في ضمرة بن جندب، كان مصابا ببصره، فقال:

                                                                                                                                                                                                                                      أخرجوني، فأخرج ، فمات في التنعيم.

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 333 ] وقيل : هو ضمرة بن العيص، وقيل : هو العيص بن ضمرة بن زنباع، وقيل: ضمرة بن خزاعة ، وقيل : ضمرة بن نعيم.

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية