الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 122 ] (وما جعله الله إلا بشرى لكم) : (الهاء) : للمدد; وهو الملائكة، أو الوعد، أو الإمداد، ودل عليه: (يمددكم) ، أو التسويم، أو الإنزال، أو للعدد على المعنى; لأن خمسة آلاف عدد.

                                                                                                                                                                                                                                      (وما النصر إلا من عند الله) يعني: نصر المؤمنين، ولا يدخل فيه نصر الكافرين; لأن ما وقع لهم من غلبة إنما هو إملاء محفوف بخذلان، وسوء عاقبة، وخسران.

                                                                                                                                                                                                                                      (ليقطع طرفا من الذين كفروا) أي : ولقد نصركم الله ببدر; ليقطع طرفا من الذين كفروا.

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل: المعنى: وما النصر إلا من عند الله; ليقطع طرفا].

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل: التقدير: ذلك التدبير; ليقطع طرفا، والمراد به: من قتل من المشركين يوم بدر، عن الحسن وغيره.

                                                                                                                                                                                                                                      السدي : يعني: من قتل من المشركين يوم أحد، وكانوا ثمانية عشر رجلا.

                                                                                                                                                                                                                                      ومعنى (يكبتهم) : يحزنهم، وأصله - فيما ذكره بعض أهل اللغة-: يكبدهم; أي: يصيبهم بالحزن في أكبادهم، فأبدلت الدال تاء.

                                                                                                                                                                                                                                      و (الخائب) : المنقطع الأمل.

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 123 ] وقوله: (ليس لك من الأمر شيء) الآية.

                                                                                                                                                                                                                                      قيل: إن قوله: (أو يتوب عليهم) معطوف على قوله: (ليقطع طرفا) ، وقوله: (ليس لك من الأمر شيء) متعلق بقوله: (وما النصر إلا من عند الله) .

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل: هو على إضمار (أن) ; اكتفاء بالأولى، التقدير: (ليس لك من الأمر شيء، أو من أن يتوب عليهم) .

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل: إن (أو) بمعنى (حتى) و (إلا أن) ، فيكون التأويل: (ليس يكون ما تريده بهم من التوبة أو العذاب إلا أن يشاء الله ذلك) ، ومن جعله على إضمار; فإنما ساغ ذلك; لأن في قوله: (ليس لك من الأمر شيء) دلالة الفعل; لأن (الأمر) مصدر (أمرت) ، فكأنه قال: (ليس لك من أمرهم، أو تأمرهم شيء، ولا من أن يتوبوا) ، فهو كقولك: (كرهت غضبك ويغضب أبوك) في رد الفعل على المصدر.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله : (ولله ما في السماوات وما في الأرض) : هذا متصل بقوله: (ليس لك من الأمر) .

                                                                                                                                                                                                                                      ((ولله ما في السماوات وما في الأرض)) : دونك ودونهم.

                                                                                                                                                                                                                                      (يغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء) ، وقوله: (واتقوا النار التي أعدت للكافرين) : قد تقدم القول فيه.

                                                                                                                                                                                                                                      (وأطيعوا الله والرسول) : ذكر الرسول عليه الصلاة والسلام زيادة في [ ص: 124 ] التبيين، والتأكيد، والتعريف بأن طاعته طاعة الله عز وجل، وأن طاعة الله في بعض أوامره مع معصية الرسول ليست بطاعة.

                                                                                                                                                                                                                                      (وجنة عرضها السماوات والأرض) : قال ابن عباس : تقرن السماوات السبع والأرضون السبع; كما تقرن الثياب بعضها إلى بعض، فذلك عرض الجنة، ولا يصف أحد طولها; لاتساعه، والمعنى: (عرضها كعرض السماوات والأرض) ، كما قال في موضع آخر، فحذف.

                                                                                                                                                                                                                                      وسألت اليهود عمر رضي الله عنه عن هذه الآية، وقالوا: أين تكون النار؟ فقال لهم عمر رضي الله عنه: (أرأيتم إذا جاء الليل فأين يكون النهار؟ وإذا جاء النهار فأين يكون الليل؟) ، فقالوا له: لقد نزعت بما في التوراة.

                                                                                                                                                                                                                                      وروي نحو ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: (أعدت للمتقين) : لا يمتنع أن يدخلها من لا يستحق هذه الصفة من الأطفال والمجانين; لأنهم تبع للمكلفين.

                                                                                                                                                                                                                                      (الذين ينفقون في السراء والضراء) : قال ابن عباس : أي: في اليسر والعسر.

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 125 ] (والكاظمين الغيظ) أي: الحابسونه، وأصله: من (كظمت القربة) ; إذا ملأتها، ثم شددتها.

                                                                                                                                                                                                                                      (والعافين عن الناس) أي: إذا جهلوا عليهم.

                                                                                                                                                                                                                                      أبو العالية: (الناس) ههنا: المماليك.

                                                                                                                                                                                                                                      (والله يحب المحسنين) أي: يثيبهم على إحسانهم.

                                                                                                                                                                                                                                      (والذين إذا فعلوا فاحشة) : (الفاحشة) ههنا: الزنا، عن جابر بن عبد الله وغيره.

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل: إن الآية نزلت في نبهان التمار، ضرب على عجز امرأة، ثم ندم على ذنبه، فأعلمه النبي عليه الصلاة والسلام بها حين نزلت، فقال: يا رسول الله؛ قبل الله توبتي، فكيف حتى يتقبل شكري؟ فأنزل الله تعالى: وأقم الصلاة طرفي النهار وزلفا من الليل إن الحسنات يذهبن السيئات ) [هود: 114].

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: (أو ظلموا أنفسهم) قيل: يعني به الصغائر.

                                                                                                                                                                                                                                      (ذكروا الله) أي: ذكروه بالاستغفار، وقيل: ذكروا عقابه.

                                                                                                                                                                                                                                      (ولم يصروا على ما فعلوا وهم يعلمون) : أصل (الإصرار) في اللغة: اعتقاد الشيء، وهو من الصر على الشيء; أي: الربط.

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 126 ] قتادة : الإصرار على الذنب: الإقامة عليه.

                                                                                                                                                                                                                                      مجاهد : لم يصروا: لم يمضوا.

                                                                                                                                                                                                                                      الحسن : هو فعل الذنب من غير توبة.

                                                                                                                                                                                                                                      (وهم يعلمون) أي: يعلمون أنهم إن تابوا تاب الله عليهم.

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل: وهم يعلمون أن ما أتوه معصية.

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل: لم يقيموا على ترك الاستغفار، وهم يعلمون أنهم قد أذنبوا.

                                                                                                                                                                                                                                      وفي الخبر: أن الصحابة رضي الله عنهم قالوا: يا رسول الله، بنو إسرائيل كانوا أكرم على الله منا، كانوا إذا أذنب أحدهم أصبحت كفارة ذنبه مكتوبة على عتبة بابه: اقطع أذنك، اجدع أنفك، افعل كذا، فنزلت الآيات.

                                                                                                                                                                                                                                      (قد خلت من قبلكم سنن) يعني: ما خلا في عاد، وثمود، وغيرهم، عن الحسن وغيره.

                                                                                                                                                                                                                                      الزجاج : هو على حذف المضاف، المعنى: أهل سنن، و (السنن) : جمع سنة; وهي الطريقة التي يقتدى بها.

                                                                                                                                                                                                                                      (هذا بيان للناس) يعني: القرآن، عن الحسن ، وغيره.

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل: هو إشارة إلى ما تقدم ذكره من قوله: (قد خلت من قبلكم سنن) .

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 127 ] (ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون) : (الوهن) : الضعف، وهذا تسلية من الله تعالى لنبيه عليه الصلاة والسلام والمؤمنين; بما نالهم يوم أحد.

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل: نزل ذلك حين أشرف خالد بن الوليد [على النبي عليه الصلاة والسلام والمسلمين]، وهم في الشعب، ودعا النبي عليه الصلاة والسلام، وثاب رماة من المسلمين فصعدوا الجبل، فكشفوا المشركين عنه، وصعد المسلمون الجبل.

                                                                                                                                                                                                                                      (إن كنتم مؤمنين) أي: إن كنتم مؤمنين بصدق وعدي.

                                                                                                                                                                                                                                      (إن يمسسكم قرح) : (القرح) : الجرح، والفتح والضم فيه لغتان بمعنى، وقيل: هو بالفتح: الجرح، وبالضم: ألمه، والمعنى: إن يمسسكم يوم أحد قرح; فقد مس القوم يوم بدر قرح مثله.

                                                                                                                                                                                                                                      (وتلك الأيام نداولها بين الناس) أي: نصرفها مرة لقوم، ومرة عليهم، و (الدولة) : الكرة.

                                                                                                                                                                                                                                      (وليعلم الله الذين آمنوا) أي: ليعلم صبرهم العلم الذي يقع به الجزاء داولها بينهم.

                                                                                                                                                                                                                                      (ويتخذ منكم شهداء) أي: يكرمكم بالشهادة.

                                                                                                                                                                                                                                      (والله لا يحب الظالمين) أي: لم يغلبوكم لمحبته إياهم.

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 128 ] (وليمحص الله الذين آمنوا) : أصل (التمحيص) : التخليص.

                                                                                                                                                                                                                                      قال الخليل: (المحص) : الخلوص من العيب، ومعنى: (محص عنا ذنوبنا) ; أي: أذهبها، فهو تخليص الحسنات بتكفير السيئات، فمعنى (يمحصهم) : يخلصهم من الذنوب، وهو قول الزجاج .

                                                                                                                                                                                                                                      ابن عباس ، ومجاهد ، وغيرهما: المعنى: وليبتلي الله الذين آمنوا، ومعناه: ليخلصهم، بالابتلاء.

                                                                                                                                                                                                                                      (ويمحق الكافرين) أي: يهلكهم.

                                                                                                                                                                                                                                      الفراء : (هو على حذف المضاف ، المعنى: وليمحص الله ذنوب الذين آمنوا) .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية