الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      معلومات الكتاب

                                                                                                                                                                                                                                      التحصيل لفوائد كتاب التفصيل الجامع لعلوم التنزيل

                                                                                                                                                                                                                                      المهدوي - أبو العباس أحمد بن عمار المهدوي

                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      أحلت لكم بهيمة الأنعام إلا ما يتلى عليكم : قال ابن عباس : بهيمة الأنعام: ما استخرج من بطن الشاة والبقرة من ولد بعد ذبحها; فالمعنى: أحلت لكم بهيمة الأنعام بذكاة أمهاتها.

                                                                                                                                                                                                                                      السدي، وقتادة، وغيرهما: بهيمة الأنعام : هي الأنعام; والمعنى: أحلت لكم الأنعام بالذكاة.

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 396 ] الضحاك : بهيمة الأنعام : الوحش; كالظباء، والخمر.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: إلا ما يتلى عليكم : قال ابن عباس ، ومجاهد ، وغيرهما: هو قوله: حرمت عليكم الميتة وما بعده.

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل: الاستثناء واقع على الدم المسفوح من الذكاة.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: غير محلي الصيد يعني: الإحرام بالحج والعمرة، سمي إحراما; لما يحرمه من دخل فيه على نفسه من النساء، والطيب، وغيرهما .

                                                                                                                                                                                                                                      وفي هذه الآية خمسة أحكام:

                                                                                                                                                                                                                                      الأول: أوفوا بالعقود ، والثاني: أحلت لكم بهيمة الأنعام ، والثالث: إلا ما يتلى عليكم ، والرابع: غير محلي الصيد وأنتم حرم ، والخامس: ما دلت عليه الآية من إباحة الصيد للحلال.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: لا تحلوا شعائر الله : قال ابن عباس : يعني : مناسك الحج، وعنه أيضا: نهوا أن يركبوا ما نهي عنه المحرم.

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 397 ] عطاء: حضهم الله على اتباع طاعته، واجتناب معصيته.

                                                                                                                                                                                                                                      مجاهد : شعائر الله : الصفا والمروة، والحرم; فالمعنى: لا تحلوا الصيد في الحرم .

                                                                                                                                                                                                                                      زيد بن أسلم: الشعائر ست: الصفا والمروة، والبدن، والجمار، والمشعر الحرام، وعرفة، والركن، قال: والحرمات خمس: الكعبة الحرام، والبلد الحرام، والشهر الحرام، والمسجد الحرام، والمحرم حتى يحل.

                                                                                                                                                                                                                                      الكلبي: كان عامة العرب لا يعدون الصفا والمروة من الشعائر، وكانت الحمس لا تقف بعرفات في حجهم، فنهوا بهذه الآية عن ذلك.

                                                                                                                                                                                                                                      قتادة: الآية منسوخة; نسخها: فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم .

                                                                                                                                                                                                                                      وعن ابن عباس ، والسدي ، وغيرهما: أنه نسخ منها: (ولا الشهر الحرام) ، ولا آمين البيت الحرام .

                                                                                                                                                                                                                                      وعن ابن عباس أيضا قال: نهى الله أن يمنع أحد من الحج من مؤمن وكافر، ثم أنزل بعد ذلك ما في (سورة براءة) من منع المشركين من [ ص: 398 ] المسجد الحرام، وعنه أيضا: معنى لا تحلوا شعائر الله أي : ما حرم عليكم في إحرامكم، وعنه أيضا وعن مجاهد: لا تضيعوا مناسك الحج.

                                                                                                                                                                                                                                      وعن مجاهد: لم ينسخ منها إلا (القلائد) ; كان الرجل يتقلد بشيء من لحاء شجر الحرم فيأمن; فنسخ ذلك.

                                                                                                                                                                                                                                      الربيع بن أنس: نهوا أن يأخذوا من لحاء شجر الحرم فيتقلدوها. السدي: معنى لا تحلوا شعائر الله : لا تحلوا حرم الله.

                                                                                                                                                                                                                                      عطاء : لا تتعرضوا ما يسخط الله.

                                                                                                                                                                                                                                      وقد تقدم أصل (الشعائر) واشتقاقها.

                                                                                                                                                                                                                                      وعن ابن عباس : أن الشهر الحرام يراد به: الأشهر الحرم، عكرمة : هو ذو القعدة ، وقيل: رجب.

                                                                                                                                                                                                                                      و (إحلاله) : ما كانوا يفعلونه من تحريم القتال فيه عاما، وتحليله عاما.

                                                                                                                                                                                                                                      و (الهدي) : ما أهدي إلى البيت، وقد تقدم ذكره.

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 399 ] و (القلائد) : قيل: ما كان الرجل يتقلده من لحاء شجر الحرم; ليأمن به ، وقيل : قلائد الهدي.

                                                                                                                                                                                                                                      ولا آمين البيت الحرام يعني: قاصديه.

                                                                                                                                                                                                                                      يبتغون فضلا من ربهم ورضوانا قال ابن عمر: الربح في التجارة، وقال مجاهد : الأجر والتجارة.

                                                                                                                                                                                                                                      وإذا حللتم فاصطادوا : أمر إباحة.

                                                                                                                                                                                                                                      ولا يجرمنكم شنآن قوم أن صدوكم عن المسجد الحرام أن تعتدوا : قال ابن عباس ، وقتادة : المعنى: لا يحملنكم شنآن قوم على العدوان، الفراء : ولا يجرمنكم : لا يكسبنكم، الأخفش : ولا يجرمنكم أي: لا يحقن لكم; لأن قوله تعالى: لا جرم أن لهم النار ، إنما هو: حق أن لهم النار.

                                                                                                                                                                                                                                      و (الشنآن) : البغض; وهو بفتح النون مصدر; كالنزوان، والغليان، وبإسكانها يجوز أن يكون مصدرا، ويجوز أن يكون صفة على الاتساع وإقامة الصفة مقام الموصوف.

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 400 ] وذكر المفسرون: أن هذه الآية نزلت في رجل من ربيعة، يقال له: الحطم ابن هند، أتى حاجا وقد قلد، فأراد أصحاب النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أن يخرجوا إليه ، فنهوا عن ذلك.

                                                                                                                                                                                                                                      وقال بعضهم: كان اسمه ضبيعة بن شرحبيل البكري.

                                                                                                                                                                                                                                      وهذا التأويل على قول من قال: إن الآية منسوخة.

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل : إن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ لما فتح مكة; قتل رجل من أصحابه رجلا من أهل مكة، قد كان يقتل حلفاء النبي صلى الله عليه وسلم; فنزلت الآية.

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 401 ] وقيل : نزلت حين صد المسلمون عن البيت عام الحديبية، ومر بهم ناس من المشركين من أهل نجد يريدون العمرة; فقالوا: نصد هؤلاء كما صددنا; فهي على هذا مخصوصة في شأن الحديبية.

                                                                                                                                                                                                                                      ابن زيد : هذا منسوخ بالجهاد، ذهب إلى أنه لما جاز قتال المشركين; جاز الاعتداء عليهم.

                                                                                                                                                                                                                                      حرمت عليكم الميتة والدم الآية، سبب ذكر هذه الأشياء: أن الجاهلية كانت تحلها، وقد تقدم ذكر الميتة، والدم، ولحم الخنزير.

                                                                                                                                                                                                                                      (والمنخنقة) : التي تختنق بحبل حتى تموت.

                                                                                                                                                                                                                                      (والموقوذة) : المضروبة حتى تموت، وقذه يقذه وقذا; إذا ضربه حتى

                                                                                                                                                                                                                                      يشفي على الهلاك.

                                                                                                                                                                                                                                      (والمتردية) : الساقطة في بئر ونحوها.

                                                                                                                                                                                                                                      (والنطيحة) : المنطوحة حتى تموت، [وقيل : الناطحة حتى تموت] .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية