الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      معلومات الكتاب

                                                                                                                                                                                                                                      التحصيل لفوائد كتاب التفصيل الجامع لعلوم التنزيل

                                                                                                                                                                                                                                      المهدوي - أبو العباس أحمد بن عمار المهدوي

                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      التفسير:

                                                                                                                                                                                                                                      المراد بقوله: وجعلوا لله شركاء الجن : مشركو العرب، ومعنى إشراكهم الجن: أنهم أطاعوهم كطاعة الله تعالى، روي ذلك عن الحسن، وغيره.

                                                                                                                                                                                                                                      قتادة، والسدي: هم الذين قالوا: الملائكة بنات الله.

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل: معنى جعلهم إياهم شركاء: أنهم نسبوا إليهم الأفعال التي لا تكون إلا لله عز وجل.

                                                                                                                                                                                                                                      وخلقهم : قيل: معناه: وخلق الجاعلين له شركاء، وقيل: معناه: وخلق الجن.

                                                                                                                                                                                                                                      وخرقوا له بنين ; أي: افتروا عليه كذبا، (خرق)، و (اخترق)، و (خرق); [ ص: 642 ] بالتشديد على التكثير.

                                                                                                                                                                                                                                      أنى يكون له ولد أي: كيف يكون له ولد من غير صاحبة؟

                                                                                                                                                                                                                                      وخلق كل شيء يعني: من المخلوقات، ولا يدخل في ذلك كلامه، ولا غيره من صفات ذاته، وحمل مثل هذا على العموم لا يلزم، ولو لزم ذلك; للزم ملزمه أن يحمل: كل نفس ذائقة الموت [الأنبياء: 35] على العموم، وأن يحمل قوله:

                                                                                                                                                                                                                                      تدمر كل شيء بأمر ربها [الأحقاف: 25]، و وأوتيت من كل شيء [النمل: 23]، وشبهه على العموم، وذلك باطل، وقد قال تعالى: ورحمتي وسعت كل شيء [الأعراف: 156]، وهي لا تسع إبليس ولا الكفار.

                                                                                                                                                                                                                                      لا تدركه الأبصار أي: لا تدركه جسما، ولا مصورا، ولا محدودا، كما تدرك سائر المخلوقات.

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل: المعنى: لا تدركه الأبصار المخلوقة في الدنيا، لكنه يخلق لمن يريد كرامته في الآخرة بصرا يقدر أن يراه به في الآخرة.

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل: المعنى: لا تدركه أبصار القلوب; أي: لا تدركه العقول فتتوهمه; إذ ليس كمثله شيء.

                                                                                                                                                                                                                                      ابن عباس: لا تحيط به الأبصار، وهو يحيط بها.

                                                                                                                                                                                                                                      السدي: لا تدركه الأبصار في الدنيا.

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 643 ] ويدل على جواز رؤية الله عز وجل في الآخرة قوله: وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة [القيامة: 22-23]، فدخول (إن) دليل على أنه نظر العين، ولا معنى لقول من قال: إنه من الانتظار، وإن المعنى: ثواب ربها منتظرة; لأن العرب لا تقول: (نظرت إليه) بمعنى: انتظرته، إنما تقول: (نظرته)، و (انتظرته)، ولا يقولون أيضا: (انتظرت زيدا) بمعنى: انتظرت عطاءه، أو نحوه; لما في ذلك من تغيير المعاني; فإنما يضاف النظر إلى الوجوه، والانتظار إلى القلوب; وإنما أضيف النظر إلى الوجوه، والمراد: العيون; لأنها في الوجوه.

                                                                                                                                                                                                                                      وكذلك قول من قال: إن (إلى) واحد (الآلاء)، وليس بحرف جر، والتقدير عنده: نعمة ربها منتظرة; محال ظاهر الفساد; لأنه قد أخبر عن الوجوه بأن النعيم قد حل بها في قوله: وجوه يومئذ ناضرة ; فكيف يجوز أن يخبر عنها بأنها تنتظر ما قد حلت فيه؟! وهل يجوز أن تقول: (أنا أنتظر زيدا)، وأنت معه؟!

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: فمن أبصر فلنفسه أي: لنفسه نفع إبصاره.

                                                                                                                                                                                                                                      ومن عمي فعليها أي: على نفسه ضرر عماه.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: وكذلك نصرف الآيات أي: ومثل هذا التصريف نصرف الآيات، وليقولوا درست نصرفها; أي: وليقولوا: قرأت الكتب.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: وأعرض عن المشركين : منسوخ حسب ما تقدم في أمثاله.

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 644 ] ولو شاء الله ما أشركوا : هذا إبطال لمذاهب القدرية.

                                                                                                                                                                                                                                      (ولا تسبوا الذين يدعون من دون الله فيسبوا الله عدوا بغير علم) : كان المسلمون يسبون الأصنام، فيسب المشركون الله عز وجل، قاله قتادة، وغيره.

                                                                                                                                                                                                                                      كذلك زينا لكل أمة عملهم : زين للكافرين كفرهم مجازاة على ترك الاجتهاد.

                                                                                                                                                                                                                                      وأقسموا بالله جهد أيمانهم لئن جاءتهم آية ليؤمنن بها : قيل: إن الآية التي أقسموا عليها اقتراحهم أن يحول لهم الصفا ذهبا، وشبهها من الآيات التي اقترحوها.

                                                                                                                                                                                                                                      قل إنما الآيات عند الله أي: ليس لكم أن تقترحوا على الله; لأنه أعلم بما فيه الصلاح من الآيات التي يظهرها.

                                                                                                                                                                                                                                      وما يشعركم أنها إذا جاءت لا يؤمنون : قال مجاهد، وابن زيد: المخاطب بهذا المشركون، وهذا التأويل يشبه قراءة من قرأ: (تؤمنون); بالتاء.

                                                                                                                                                                                                                                      الفراء، وغيره: الخطاب للمؤمنين; لأن المؤمنين قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم: يا رسول الله; لو نزلت الآية التي اقترحوها لعلهم يؤمنون، فقال الله تعالى: وما يشعركم أنها إذا جاءت لا يؤمنون ; فيجوز على هذا أن يكون (أن) بمعنى: (لعل); والمعنى: وما يشعركم - أيها المؤمنون- لعلها إذا جاءت لا يؤمنون، حكي عن العرب: (ائت السوق أنك تشتري لنا شيئا); أي: لعلك، قال أبو النجم: [من الرجز] [ ص: 645 ]

                                                                                                                                                                                                                                      قلت لشيبان ادن من لقائه أنا نغدى اليوم من شوائه



                                                                                                                                                                                                                                      وقيل: إن في الكلام حذفا; والمعنى: وما يشعركم أنها إذا جاءت لا يؤمنون، أو يؤمنون.

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل: إن (لا) زائدة; والمعنى: وما يشعركم أنها إذا جاءت يؤمنون.

                                                                                                                                                                                                                                      ومن كسر; فقوله: (وما يشعركم) تمام; أي: وما يشعركم - أيها المؤمنون - أنهم يؤمنون، وأنتم لا تعلمون الغيب، ثم استأنف الإخبار، فكسر (أن).

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية