الوجه الثالث عن شبهة
nindex.php?page=showalam&ids=13251ابن سينا أن يقال: قوله: ليس يجوز أن يعقل الأشياء من الأشياء، وإلا فذاته إما متقومة بما تعقل، فيكون متقوما بالأشياء، وإما عارضا لها أن تفعل، فلا تكون واجبة الوجود من كل وجه.
يقال له: قولك: يعقل الأشياء من الأشياء أتريد به أن الأشياء تجعله عاقلا، فتعلمه العلم بها؟ أم تريد أن علمه بالأشياء لا يكون إلا مع تحقق المعلوم؟ أم تعني به أن علمه بالأشياء يكون بعد وجود المعلوم؟
أما الأول فلا يقوله مسلم، بل المسلمون متفقون على أن
nindex.php?page=treesubj&link=28781_29625الله مستغن عما سواه في علمه بالأشياء في غير ذلك، بل هو المعلم لكل من علم سواه من علمه.
وقد قال تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=255ولا يحيطون بشيء من علمه إلا بما شاء [البقرة: 255].
[ ص: 16 ]
وقال:
nindex.php?page=tafseer&surano=96&ayano=4علم بالقلم nindex.php?page=tafseer&surano=96&ayano=5علم الإنسان ما لم يعلم [العلق: 4-5].
وقال:
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=50أعطى كل شيء خلقه ثم هدى [طه: 50].
وقال:
nindex.php?page=tafseer&surano=87&ayano=2الذي خلق فسوى nindex.php?page=tafseer&surano=87&ayano=3والذي قدر فهدى [الأعلى: 2-3].
وقال:
nindex.php?page=tafseer&surano=55&ayano=1الرحمن nindex.php?page=tafseer&surano=55&ayano=2علم القرآن nindex.php?page=tafseer&surano=55&ayano=3خلق الإنسان nindex.php?page=tafseer&surano=55&ayano=4علمه البيان [الرحمن: 1-4].
وقال:
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=113وعلمك ما لم تكن تعلم [النساء: 113].
وقال:
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=65وعلمناه من لدنا علما [الكهف: 65].
وقال:
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=282ولا يأب كاتب أن يكتب كما علمه الله فليكتب [البقرة: 282].
وقال:
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=31وعلم آدم الأسماء كلها إلى قول الملائكة:
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=32سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم [البقرة: 31-32].
وقال:
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=4تعلمونهن مما علمكم الله [المائدة: 4].
وإن أراد بعقله الأشياء من الأشياء: أنه لا يكون عالما إلا مع تحقق معلوم بعلم، فهذا حق.
لكن لا يمكن ثبوت علم إلا كذلك، وإلا فإذا قدر علم لا يطابق معلومه كان جهلا لا علما وحينئذ يعود الأمر إلى سؤال الاستكمال، وقد تقدم.
[ ص: 17 ]
وإن أراد بذلك أنه يعلم الأشياء بعد وجودها، فلا ريب أنه يعلم ما يكون قبل أن يكون، ثم إذا كان: فهل يتجدد له علم آخر؟ أم علمه به معدوما هو علمه به موجودا؟ هذا فيه نزاع بين النظار، وأي القولين كان صحيحا حصل به الجواب.
وإذا قال قائل: القول الأول هو الذي يدل عليه صريح المعقول، والثاني باطل، والإشكال يلزم على الأول.
قيل له: وإذا كان هو الذي يدل عليه صريح المعقول، فهو الذي يدل عليه صحيح المنقول، وعليه دل القرآن في أكثر من عشرة مواضع، وهو الذي جاءت به الآثار عن السلف. وما أورد عليه من الإشكال، فهو باطل كما قد بين في موضعه.
الْوَجْهُ الثَّالِثُ عَنْ شُبْهَةِ
nindex.php?page=showalam&ids=13251ابْنِ سِينَا أَنْ يُقَالَ: قَوْلُهُ: لَيْسَ يَجُوزُ أَنْ يَعْقِلَ الْأَشْيَاءَ مِنَ الْأَشْيَاءِ، وَإِلَّا فَذَاتُهُ إِمَّا مُتَقَوِّمَةٌ بِمَا تَعْقِلُ، فَيَكُونُ مُتَقَوِّمًا بِالْأَشْيَاءِ، وَإِمَّا عَارِضًا لَهَا أَنْ تَفْعَلَ، فَلَا تَكُونُ وَاجِبَةَ الْوُجُودِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ.
يُقَالُ لَهُ: قَوْلُكَ: يَعْقِلُ الْأَشْيَاءَ مِنَ الْأَشْيَاءِ أَتُرِيدُ بِهِ أَنَّ الْأَشْيَاءَ تَجْعَلُهُ عَاقِلًا، فَتُعَلِّمُهُ الْعِلْمَ بِهَا؟ أَمْ تُرِيدُ أَنَّ عِلْمَهُ بِالْأَشْيَاءِ لَا يَكُونُ إِلَّا مَعَ تَحَقُّقِ الْمَعْلُومِ؟ أَمْ تَعْنِي بِهِ أَنَّ عِلْمَهُ بِالْأَشْيَاءِ يَكُونُ بَعْدَ وُجُودِ الْمَعْلُومِ؟
أَمَّا الْأَوَّلُ فَلَا يَقُولُهُ مُسْلِمٌ، بَلِ الْمُسْلِمُونَ مُتَّفِقُونَ عَلَى أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=28781_29625اللَّهَ مُسْتَغْنٍ عَمَّا سِوَاهُ فِي عِلْمِهِ بِالْأَشْيَاءِ فِي غَيْرِ ذَلِكَ، بَلْ هُوَ الْمُعَلِّمُ لِكُلِّ مَنْ عَلَّمَ سِوَاهُ مِنْ عِلْمِهِ.
وَقَدْ قَالَ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=255وَلا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلا بِمَا شَاءَ [الْبَقَرَةُ: 255].
[ ص: 16 ]
وَقَالَ:
nindex.php?page=tafseer&surano=96&ayano=4عَلَّمَ بِالْقَلَمِ nindex.php?page=tafseer&surano=96&ayano=5عَلَّمَ الإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ [الْعَلَقُ: 4-5].
وَقَالَ:
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=50أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى [طَهَ: 50].
وَقَالَ:
nindex.php?page=tafseer&surano=87&ayano=2الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى nindex.php?page=tafseer&surano=87&ayano=3وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَى [الْأَعْلَى: 2-3].
وَقَالَ:
nindex.php?page=tafseer&surano=55&ayano=1الرَّحْمَنُ nindex.php?page=tafseer&surano=55&ayano=2عَلَّمَ الْقُرْآنَ nindex.php?page=tafseer&surano=55&ayano=3خَلَقَ الإِنْسَانَ nindex.php?page=tafseer&surano=55&ayano=4عَلَّمَهُ الْبَيَانَ [الرَّحْمَنُ: 1-4].
وَقَالَ:
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=113وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ [النِّسَاءُ: 113].
وَقَالَ:
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=65وَعَلَّمْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْمًا [الْكَهْفُ: 65].
وَقَالَ:
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=282وَلا يَأْبَ كَاتِبٌ أَنْ يَكْتُبَ كَمَا عَلَّمَهُ اللَّهُ فَلْيَكْتُبْ [الْبَقَرَةُ: 282].
وَقَالَ:
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=31وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاءَ كُلَّهَا إِلَى قَوْلِ الْمَلَائِكَةِ:
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=32سُبْحَانَكَ لا عِلْمَ لَنَا إِلا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ [الْبَقَرَةُ: 31-32].
وَقَالَ:
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=4تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ اللَّهُ [الْمَائِدَةُ: 4].
وَإِنْ أَرَادَ بِعَقْلِهِ الْأَشْيَاءَ مِنَ الْأَشْيَاءِ: أَنَّهُ لَا يَكُونُ عَالِمًا إِلَّا مَعَ تَحَقُّقِ مَعْلُومٍ بِعِلْمٍ، فَهَذَا حَقٌّ.
لَكِنْ لَا يُمْكِنُ ثُبُوتُ عِلْمٍ إِلَّا كَذَلِكَ، وَإِلَّا فَإِذَا قُدِّرَ عِلْمٌ لَا يُطَابِقُ مَعْلُومَهُ كَانَ جَهْلًا لَا عِلْمًا وَحِينَئِذٍ يَعُودُ الْأَمْرُ إِلَى سُؤَالِ الِاسْتِكْمَالِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ.
[ ص: 17 ]
وَإِنْ أَرَادَ بِذَلِكَ أَنَّهُ يَعْلَمُ الْأَشْيَاءَ بَعْدَ وُجُودِهَا، فَلَا رَيْبَ أَنَّهُ يَعْلَمُ مَا يَكُونُ قَبْلَ أَنْ يَكُونَ، ثُمَّ إِذَا كَانَ: فَهَلْ يَتَجَدَّدُ لَهُ عِلْمٌ آخَرُ؟ أَمْ عِلْمُهُ بِهِ مَعْدُومًا هُوَ عِلْمُهُ بِهِ مَوْجُودًا؟ هَذَا فِيهِ نِزَاعٌ بَيْنَ النُّظَّارِ، وَأَيُّ الْقَوْلَيْنِ كَانَ صَحِيحًا حَصَلَ بِهِ الْجَوَابُ.
وَإِذَا قَالَ قَائِلٌ: الْقَوْلُ الْأَوَّلُ هُوَ الَّذِي يَدُلُّ عَلَيْهِ صَرِيحُ الْمَعْقُولِ، وَالثَّانِي بَاطِلٌ، وَالْإِشْكَالُ يَلْزَمُ عَلَى الْأَوَّلِ.
قِيلَ لَهُ: وَإِذَا كَانَ هُوَ الَّذِي يَدُلُّ عَلَيْهِ صَرِيحُ الْمَعْقُولِ، فَهُوَ الَّذِي يَدُلُّ عَلَيْهِ صَحِيحُ الْمَنْقُولِ، وَعَلَيْهِ دَلَّ الْقُرْآنُ فِي أَكْثَرَ مِنْ عَشَرَةِ مَوَاضِعَ، وَهُوَ الَّذِي جَاءَتْ بِهِ الْآثَارُ عَنِ السَّلَفِ. وَمَا أُورِدَ عَلَيْهِ مِنَ الْإِشْكَالِ، فَهُوَ بَاطِلٌ كَمَا قَدْ بُيِّنَ فِي مَوْضِعِهِ.