الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
وأما معرفة كنه الذات، فذاك لا يمكن بمجرد الكلام، ليس لأنه لا كنه لها، لكن لأن تعريف كنه الأمور لا يمكن بمجرد العبارات.

فإذا قيل: هو نور، لم يمنع هذا أن تكون حقيقته نورا. كما إذا قيل: هو حي، أو عالم أو قادر، أو موجود. لكن ليس هو مثل شيء من الأنوار المخلوقة، كما أنه ليس مثل شيء من الأحياء العالمين المخلوقين، ولا شيء من الموجودات المخلوقة. [ ص: 277 ]

ولكن لولا القدر المشترك لما كان في الكلام فائدة.

ثم القدر المميز يحصل بالإضافة، فيعلم أنه نور ليس كالأنوار، موجود ليس كالموجودين، حي لا كالأحياء.

وهذا الجواب هو جواب أهل التحقيق من المثبتين الذين ينفون علم العباد بماهيته وكيفيته، ويقولون: لا تجري ماهيته في مقال، ولا تخطر كيفيته ببال. ويقولون: الاستواء معلوم، والكيف مجهول. ويقولون: حجب الخلق عن معرفة ماهيته، ونحو ذلك.

وأما من نفى ثبوت هذه الأمور في نفس الأمر، فقال: لا ماهية له فتجري في مقال، ولا كيفية له فتخطر ببال.

كما يقول ذلك من يقول من المعتزلة، ومن اتبعهم من الأشعرية، وغيرهم من أصحاب الفقهاء الأربعة- فهؤلاء هم الذين خرجوا عن الجواب الطبيعي، وأرادوا تغيير الفطرة الإنسانية، كما غيروا النصوص الشرعية. وإنما الكمال بالفطرة المكملة بالشرعة المنزلة. والرسل صلوات الله عليهم بعثوا بتقرير الفطرة وتكميلها، لا بتغيير الفطرة وتحويلها.

ومن المعلوم أنه لا يمكن أن يجاب عن سؤال السائل بما هو، بما يجاب إذا سئل عن الأنواع، فإن الله لا مثل له سبحانه. وإذا كان المخلوق الذي انحصر نوعه في شخصه، كالشمس مثلا لا يمكن ذلك فيها، فالخالق سبحانه أولى بذلك.

وإذا كان تعريف عين الشيء لا يمكن إلا بمعرفته أو معرفة نظيره، [ ص: 278 ] والله لا نظير له، امتنع أن يعرف إلا بما تعرف به الأعيان من المعارف الخاصة بالمعروف باطنا وظاهرا، كما يهدي إليه به عباده المؤمنين من الإيمان به في الدنيا، وكما يتجلى لهم في الدار الآخرة.

وهذه المعرفة تطابق ما سمعوه، مما وصف به نفسه، ووصفه به رسوله، فيتطابق الإيمان والقرآن، ويتوافق البرهان والعيان.

والله سبحانه فطر عباده على الإقرار به فطرة تختص به، ليست كلية مشتركة بينه وبين غيره، كما جعل في الإبصار قوة ترى بها الشمس بخصوصها، لا تعرف الشمس معرفة مشتركة.

كما يقال في حدها: كوكب يطلع نهارا. بل معرفة الناس للشمس أعظم من معرفتهم لغيرها من أعيان الكواكب ولنوع الكواكب، لو كانت الشمس من نوع الكواكب، فكيف إذا لم تكن من نوعها؟

ولهذا كانت الدلائل على الخالق آيات له. والآية تختص بما في آية عليه، ليست قياسا كليا يدل على معنى مشترك عام، بل تدل على معين موجود متميز عن غيره.

التالي السابق


الخدمات العلمية