الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
وفي هذه السنة : ورد الخبر بأن الحاكم صاحب مصر هدم بيعة قمامة ، وهذه البيعة تجاور بيت المقدس وهى عظيمة القدر عند النصارى ، وكانوا يخرجون [في ] كل سنة من المواضع في العماريات إلى بيت المقدس لحضور فصحهم ، وربما جاء ملك الروم وكبراء بطارقته متنكرا ويحملون إليها الأموال والثياب والستور والفروش ، ويصوغون لها القناديل والأواني من الذهب والفضة ، واجتمع فيها مع الزمان مال عظيم ، فإذا اجتمعوا يوم الفصح أظهروا زينتهم ونصبوا صلبانهم ، ويعلق القوم القناديل في بيت [ ص: 61 ] المذبح ، ويجعلون فيها دهن الزيتون ويجعلون بين كل قنديلين كالخيط من الحديد متصلا ويطلونه بدهن البلسان ويقرب بعض القوم النار من خيط منها ، بحيث لا يعلم الحاضرون [فيشعلونه ] ، وينتقل من القناديل فيشعل الكل ويظن من حضر أنها نار نزلت من السماء فيكثر تكبيرهم وضجيجهم ، فلما وصفت هذه [الحالة ] للحاكم تقدم بأن يكتب إلى والي الرملة وإلى أحمد بن يعقوب الداعي بأن يقصدا بيت المقدس ويستصحبا الأشراف والقضاة والشهود ووجوه البلد ، وينزلا بيعة قمامة ويبيحا العامة نهبها ، وأخذ ما فيها ويتقدما بنقضها وتعفية أثرها .

وبلغ الخبر النصارى فأخرجوا ما في البيعة من جوهر وثياب وذهب وفضة ، فانتهب ما بقي وهدمت .

ثم جاز الحاكم إلى موضع فيه ثلاث بيع تعظمها النصارى على أعلاها الصلبان الظاهرة ، فضجت العامة إليه فنقض منها شيئا بيده ، ثم أمرهم بنقضها ورجع إلى منزله ، فكتب بنقض جميع البيع والكنائس وبنى مساجد مكانها فهدمت ألوف وأمر بالنداء بمصر في أهل الذمة من أراد الدخول في الإسلام دخل ، ومن أراد الانتقال إلى الروم كان آمنا إلى أن يخرج ويصل أو المقام على أن يلبس الغيار ويلزم ما شرط عليه في ذلك أقام وشرط على النصارى تعليق الصلبان ظاهرة على صدورهم ، وعلى اليهود تمثال رأس عجل ، والامتناع من ركوب الخيل فعملوا صلبان الذهب والفضة ، فأنكر الحاكم ذلك وأمر المحتسبين أن يأخذوا النصارى بتعليق صلبان الخشب الذي يكون قدر الواحد منها أربعة أرطال ، واليهود بتعليق خشبة كالمدقة وزنها ستة أرطال ، وأن يشدوا في أعناقهم أجراسا عند دخولهم الحمامات ليتميزوا بها عن المسلمين ، ففعل ذلك ، ثم أنه قبيل قتله أذن في إعادة [بناء ] البيع والكنائس ، وأذن لمن أسلم منهم أن يعود إلى [ ص: 62 ] دينه ، وقال : ننزه مساجدنا عمن لا نية له في الإسلام ، وهذا غلط قبيح منه وقلة علم ، فإنه لا يجوز أن يمكن من أسلم من الارتداد .

التالي السابق


الخدمات العلمية