الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر

3188 - أحمد بن كليب الأديب الشاعر:

أخبرنا عبد الله بن المبارك الحافظ ، أخبرنا أبو عبد الله محمد بن أبي نصر [ ص: 247 ] الحميدي ، قال: حدثني أبو محمد علي بن [ أحمد ] الفقيه الحافظ ، أخبرنا أبو عبد الله محمد بن الحسن المذحجي الأديب ، قال: كنت أختلف في النحو إلى أبي عبد الله محمد بن خطاب النحوي في جماعة أيام الحداثة ، وكان معنا أسلم بن أحمد بن سعيد بن قاضي قضاة الأندلس ، قال محمد بن الحسن : وكان من أجمل من رأته العيون ، وكان معنا عند محمد بن خطاب أحمد بن كليب ، وكان من أهل الأدب والشعر ، فاشتد كلفه بأسلم وفارق صبره ، وصرف فيه القول مستترا بذلك إلى أن فشت أشعاره فيه وجرت على الألسنة ، وتنوشدت في المحافل فلعهدي بعرس في بعض الشوارع والنكوري الزامر في وسط المحافل يزمر بقول أحمد بن كليب في أسلم:


وأسلمني في هواه أسلم هذا الرشا     غزال له مقلة
يصيب بها من يشا     وشى بيننا حاسد
يسأل عما وشى     فلو شاء أن يرتشي
على الوصل روحي رشا

ومغن محسن يسايره ، فلما بلغ هذا المبلغ انقطع عن جميع مجالس الطلب ولزم بيته والجلوس على بابه ، وكان أحمد بن كليب لا شغل له إلا المرور على باب دار أسلم سائرا أو مقبلا نهاره كله ، فانقطع أسلم من الجلوس على باب داره نهارا ، فإذا صلى المغرب واختلط الظلام خرج مستروحا وجلس على باب داره فعيل صبر أحمد بن كليب فتحيل في بعض الليالي ولبس جبة صوف من جباب أهل البادية واعتم بمثل عمائمهم وأخذ بإحدى يديه دجاجا وبالأخرى قفصا فيه بيض ، كأنه قدم من بعض الضياع ، ونحن جلوس مع أسلم عند اختلاط الظلام على بابه ، فتقدم إليه وقبل يده ، وقال: يا مولاي من يقبض هذا ، فقال له أسلم: من أنت ، فقال: أجيرك في الضيعة الفلانية . وقد كان يعرف أسماء ضياعه والعاملين فأمر أسلم غلمانه بقبض ذلك منه على عادتهم في قبول هدايا العاملين في ضياعهم . ثم جعل يسأله عن أحوال الضيعة . فلما [ ص: 248 ] جاوبه أنكر الكلام فتأمله فعرفه ، فقال له: يا أخي وإلى هاهنا تتبعني أما كفاك انقطاعي عن مجالس الطلب ، وعن الخروج جملة ، وعن القعود على بابي نهارا حتى قطعت علىي جميع ما لي فيه راحة فقد صرت في سجنك ، والله لا فارقت بعد هذه الليلة قعر منزلي ولا جلست بعدها على بابي ليلا ولا نهارا ، ثم قام وانصرف أحمد بن كليب حزينا كئيبا .

قال محمد: واتصل بنا ذلك فقلنا لأحمد بن كليب: قد خسرت دجاجك وبيضك ، فقال: هات كل ليلة قبلة يده وأخسر أضعاف ذلك ، فلما يئس من رؤيته البتة نهكته العلة وأضجعه المرض ، قال محمد بن الحسن : فأخبرني شيخنا محمد بن خطاب قال: عدته فوجدته بأسوأ حال ، فقلت له: لم لا تتداوى؟ فقال: دوائي معروف ، وأما الأطباء فلا حيلة لهم في البتة فقلت له: فما دواؤك؟ قال: نظرة من أسلم فلو سعيت في أن يزورني لأعظم الله أجرك بذلك وأجره ، قال: فرحمته وتقطعت نفسي له فنهضت إلى أسلم فاستأذنت عليه فأذن لي وتلقاني بما يجب ، فقلت له: لي حاجة ، فقال: وما هي؟ قلت: قد علمت ما جمعك مع أحمد بن كليب من ذمام الطلب عندي . فقال: نعم ولكن قد تعلم أنه برح بي وشهر اسمي وآذاني ، فقلت له: كل ذلك يغتفر في مثل هذه الحال التي هو فيها والرجل يموت فتفضل بعيادته ، فقال لي: والله ما أقدر على ذلك فلا تكلفني هذا . فقلت له: لا بد من ذلك فليس عليك فيه شيء وإنما هي عيادة مريض .

قال: ولم أزل به حتى أجاب ، فقلت له: فقم الآن . قال: لست والله أفعل ولكن غدا .

فقلت له: ولا خلف؟ قال: نعم ، فانصرفت إلى أحمد بن كليب فأخبرته بوعده بعد تأبيه فسر بذلك فارتاحت نفسه ، فلما كان من الغد بكرت إلى أسلم وقلت له: الوعد .

فوجم ، وقال: والله لقد تحملني على خطة صعبة علي ، وما أدري كيف أطيق ذلك؟ .

قال: فقلت له: لا بد أن تفي بوعدك [لي] قال: فأخذ رداءه ونهض معي راجلا ، فلما أتينا منزل أحمد بن كليب وكان يسكن في درب طويل وتوسط الزقاق وقف واحمر وخجل ، وقال لي: يا سيدي الساعة والله أموت وما أستطيع أن أنقل قدمي ولا أستطيع أن أعرض هذا على نفسي . فقلت: لا تفعل بعد أن بلغت المنزل تنصرف ، قال: لا سبيل والله إلى ذلك البتة ، قال: ورجع هاربا فاتبعته وأخذت بردائه فتمادى وتمزق الرداء [ ص: 249 ] وبقيت قطعة منه في يدي لمدة وإمساكي له ومضى ولم أدركه ، فرجعت ودخلت على أحمد بن كليب قال: وقد كان غلامه دخل عليه إذ رآني من أول الزقاق مبشرا ، قال: فلما رآني تغير وجهه وقال: أين أبو الحسن ؟ . فأخبرته بالقصة فاستحال من وقته واختلط وجعل يتكلم بكلام لا يعقل منه أكثر من الاسترجاع ، فاستبشعت الحال وجعلت أتوجع وقمت ، قال: فثاب إليه ذهنه فقال: يا أبا عبد الله اسمع مني واحفظ مني ثم أنشأ يقول:


أسلم يا راحة العليل     رفقا على الهائم النحيل
وصلك أشهى إلى فؤادي     من رحمة الخالق الجليل

قال: فقلت له: اتق الله ما هذه الخطة العظيمة ، فقال: قد كان ، قال فخرجت عنه فوالله ما توسطت الزقاق حتى سمعت الصراخ عليه وقد فارق الدنيا .

قال الحميدي: قال لنا أبو محمد : وهذه قصة مشهورة عندنا ، ومحمد بن الحسن ثقة ، [ومحمد بن خطاب ثقة] وأسلم هذا من بني خالد ، وكانت فيهم وزارة وحجابة وأبوه الآن في الحياة يكنى أبا الجعد ، قال أبو محمد : ولقد ذكرت هذه الحكاية لأبي عبد الله محمد بن سعيد الخولاني الكاتب فعرفها ، وقال: لقد أخبرني الثقة أنه رأى أسلم هذا في يوم شديد المطر لا يكاد أحد يمشي في طريق وهو جالس على قبر أحمد بن كليب المذكور زائرا له قد تحين غفلة الناس في مثل ذلك اليوم ، قال الحميدي: وأنشدني أبو محمد علي بن أحمد ، قال: أنشدني محمد بن عبد الرحمن النحوي لأحمد بن كليب وقد أهدى إلى أسلم كتاب الفصيح لثعلب:


هذا كتاب الفصيح     بكل لفظ مليح
وهبته لك طوعا     كما وهبتك روحي

[ ص: 250 ] 3189 - الحسن بن أحمد بن إبراهيم بن الحسن بن محمد بن شاذان بن حرب بن مهران ، أبو علي البزاز:

ولد في ربيع الأول سنة تسع وثلاثين وثلاثمائة ، وسمع عثمان بن أحمد الدقاق ، والنجاد ، والخلدي ، وخلقا كثيرا وكان ثقة صدوقا .

أخبرنا أبو منصور القزاز ، أخبرنا أبو بكر بن ثابت ، قال: حدثني محمد بن يحيى الكرماني ، قال: كنا يوما بحضرة أبي علي بن شاذان فدخل علينا شاب لا يعرفه منا أحد فسلم ، وقال: أيكم أبو علي بن شاذان ؟ فأشرنا إليه ، فقال له: أيها الشيخ رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في المنام فقال لي: سل عن أبي علي بن شاذان؟ فإذا لقيته فأقرئه مني السلام ، ثم انصرف الشاب ، فبكى أبو علي ، وقال: ما أعرف لي عملا أستحق به هذا اللهم إلا أن يكون صبري على قراءة الحديث علي وتكرير الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم كلما جاء ذكره ، قال: ولم يلبث أبو علي بعد ذلك إلا شهرين أو ثلاثة حتى مات .

توفي في محرم هذه السنة ، ودفن في مقبرة باب الدير . 3190 - الحسن بن عثمان بن أحمد بن الحسن بن سورة أبو عمر الواعظ المعروف بابن الفلو: .

ولد في ربيع الآخر سنة سبع وأربعين وثلاثمائة ، وسمع الحديث من جماعة ، وكان يعظ وله بلاغة وفيه كرم .

أخبرنا أبو منصور القزاز ، أخبرنا أبو بكر أحمد بن علي ، وأخبرنا ابن ناصر أخبرنا ابن خيرون ، قال: أخبرنا أحمد بن الحسن المعدل ، قال: أنشدنا أبو عمر ابن الفلو لنفسه:


دخلت على السلطان في دار عزه     بفقر ولم أجلب بخيل ولا رجل
[ ص: 251 ] وقلت انظروا ما بين فقري وملككم     بمقدار ما بين الولاية والعزل

توفي ليلة الأحد الرابع عشر من صفر في هذه السنة ، وصلي عليه بجامع المدينة ، ودفن بمقبرة باب حرب إلى جنب أبي الحسين بن السماك . 3191 - الحسين بن أحمد بن عثمان بن شيطا ، أبو القاسم البزاز:

سمع أبا بكر الشافعي ، قال أبو بكر الخطيب : كتبت عنه ، وكان ثقة ، وتوفي في صفر هذه السنة .

3192 - الحسين بن عمر بن محمد بن أحمد بن عبد الله ، أبو عبد الله العلاف:

أخبرنا القزاز ، أخبرنا [ أبو بكر] الخطيب ، قال: قال لنا الحسين [بن عمر]:

ولدت في يوم الخميس الثالث من شوال سنة إحدى وأربعين وثلاثمائة ، قال: وسمع أبا بكر الشافعي ، ويحيى بن وصيف ، وأحمد بن جعفر بن سلم ، كتبنا عنه وكان ثقة ، يسكن الجانب الشرقي في درب السقاءين قريبا من سوق السلاح ، وتوفي في رجب هذه السنة .

3193 - حمزة بن يوسف بن إبراهيم بن موسى بن إبراهيم أبو القاسم الجرجاني:

روى الحديث الكثير توفي في هذه السنة .

3194 - عبد الله بن أحمد بن إبراهيم بن الحسن بن محمد بن شاذان ، أبو محمد الصيرفي وهو أخو أبي علي: [ ص: 252 ]

سمع أبا بكر بن مالك القطيعي وغيره ، وكان صدوقا توفي في شعبان هذه السنة ، ودفن بمقبرة باب الدير . 3195 - عمر بن إبراهيم بن إسماعيل ، أبو الفضل بن أبي سعد الزاهد:

من أهل هراة ، ولد سنة- ثمان وأربعين وثلاثمائة ، قدم بغداد فحدث بها عن أبي بكر الإسماعيلي ، وأبي أحمد الغطريفي ، قال الخطيب : كتبنا عنه وكان ثقة ، وتوفي بهراة في هذه السنة . [ ص: 253 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية